من قاعدة اميركية الى اخرى، ومن قوة نفطية الى اخرى يتنطط جورج بوش، في زيارته ما قبل الاخيرة الى المنطقة، هذه الزيارة التي تؤطرها زيارة لاسرائيل وزيارة لاسرائيل، حيث بدات بالزيارة الحالية وستليها الزيارة القادمة للمشاركة في ذكرى تاسيس الدولة التي يحملها الرئيس في قلبه منذ كان سيناتورا لتكساس. وبالمقابل فقد حملته هي الى سدة الرئاسة مرتين متتاليتين في حالة تماه كلية، تبدت ترجمتها الابلغ في تركيبة الفريق الاداري الذي رافقه طوال فترة حكمه. واذا كانت دول الخليج العربي هي ما يقع بين اسرائيل واسرائيل في ستارتيجية ما تبقى من حكم الرئيس، فان هذه الساحة هي المكان الذي تتقاطع في باطن ارضه وعلى شاطئه المصالح الاميركية والاسرائيلية. فمن هناك تسيطر الامبراطورية على العالم عبر الوجود العسكري من جهة، والهيمنة على الثروة النفطية من جهة اخرى. وفي الوقت نفسه يؤمن هذا الوجود العسكري امن اسرائيل كما يؤمن لها مضمون الرؤية البيريزية للسلام في الشرق الاوسط. هذه الرؤية التي تقوم على استبدال الاحتلال الفعلي بالهيمنة الاقتصادية الاسرائيلية على سوق واسع يؤمن الثروات الطبيعية، والايدي العاملة، والاستهلاك، في حين تؤمن اسرائيل الادمغة وادارة الاعمال عبر شركات ومستشارين ومؤسسات ليس بالضرورة ان تحمل مباشرة اسماءا اسرائيلية. وفي هذا السياق ن لم يات وصول شيمون بيريز الى راس الدولة العبرية الا دليلا على تبني الجميع من عمل وليكود وما بينهما وحولهما لهذه الرؤية، حتى ولو اختلفوا على وسائل تطبيقها.
من هنا ياتي التركيز المستمر على الخطر الايراني، بديلا عن التركيز السابق على الخطر العراقي ايام صدام حسين، دون ان يكون مآل هذا التركيز بالضرورة واحدا، بمعنى انه ليس من المحتوم ان تؤدي الحرب الكلامية على ايران الى حرب فعلية او احتلال كما حصل في العراق، وذلك لاسباب عدة: اولها ان ايران لا تقع ضمن خريطة اسرائيل الكبرى، وليست البلد العربي الاقوى والاهم على هذه الخريطة. وثانيها ان ايران لا تحمل مشروعا قوميا عربيا تتطلب الهيمنة الاميركية والاسرائيلية تحطيمه بكسر كل روافعه، خاصة وانه مشروع لا يقوم فقط على البعد السياسي وانما يقوم على مشروع نهضوي شامل . وثالثها ان النظام الايراني ليس النظام العراقي السابق بجذريته الصادقة ازاء المشروع الصهيوني، ورابعها ان تاريخ الجيش الايراني لا يحمل ما يحمله تاريخ الجيش العراقي ازاء اسرائيل وما يفرضه قانون الذحل ( الثار ) اليهودي. واخرها ان ايران تعرف كيف ( تشد وترخي ) كما يقول التعبير الشعبي، وكيف توزع الادوار بين متشدد ومعتدل، وكيف تهاجم الاميركيين خطابيا، وتواجههم في لبنان وفلسطين، لكنها تلتقي معهم على طاولة مفاوضات حول همهم الاساسي اي العراق، بل وتتجاوز المفاوضات الى دعم المتعاونين معهم على هذه الساحة التي يتقرر عليها مصير الامبراطورية. واخرها ان الولايات المتحدة عاجزة تماما عن ان تشن حربا اخرى في المنطقة، خاصة في الربع ساعة الاخيرة من حكم بوش.
لذلك كله، يصدق المحللون السياسيون ووسائل الاعلام عندما يقولون ان اميركا تعمل على احتواء ايران وخطرها، ويصدقون في نيتهم الحاسمة في منعها من امتلاك السلاح النووي، لان تفرّد اسرائيل بذلك هو خط احمر في المنطقة، ولكنهم يخطئون عندما يعتبرون ان بوش جاء يبحث عن تمويل الحرب، لقد جاء يبحث عن تشديد القبضة على القواعد الخليجية، وعلى الثروات الخليجية، ودفعها في طريق التطبيع مع الدولة التي كرس اعترافه بيهوديتها. والخطر الايراني هو افضل الوسائل لفرض ذلك كله.