هكذا ابتسم بوذا!!

صحيفة الشروق، 30-12-2007

الكل يحمل ” كشته” النووية ويدور على دول العالم الثالث عارضا التكنولوجيا وما تبعها! من ساركوزي الذي بدا التدليل على تلك البضاعة خلال حملته الانتخابية الى روسيا وسائر جمهوريات الاتحاد السوفييتي، الى الدول الاسيوية. والمشتري النموذجي هو الدول العربية . وبصرف النظر عن ان هذه الدول تشتري النووي كما اشترت التجهيزات السمعية البصرية والالكترونية، دون ان يكون لها اي دور في صناعتها، ودون ان تعمل على ان يواكب هذا التطور ” المشترى ” تنمية اجتماعية واقتصادية وسياسية مستدامة. تنمية تؤمن عدم حصول فجوة خطيرة بين ما يشترى وبين ما ينتج فكريا ومعنويا وماديا. بين مستوى التكنولوجيا ومستوى الانسان الذي يمتلكها. وبصرف النظر ايضا عن المكاسب المادية التي يحققها البائعون الذين يريدون التخلص مما لديهم لحل مشاكلهم الاقتصادية ولادراكهم بان العالم في طريقه الى تكنولوجيا نظيفة غير النووية.  فان السؤال الذي يلح على الذهن هو: ما هي المصلحة العربية  في هذه الصفقات؟ وكيف تعمل الحكومات المعنية على تحقيقها؟ واذ نقول مصلحة فلا نقصد حصرا المصالح الاقتصادية، بل الصفقات السياسية التي يمكن ان تبرم وراء كواليس الصفقات الاقتصادية والنووية. وهي ما يحصل عادة  وراء كل ما يعلن من صفقات. فعندما اطلقت الهند على قنبلتها النووية الاولى لقب: ” البوذا الباسم!” لم يستوقف الاسم احدا باعتبار انه من الطبيعي ان تستعمل الهند بوذا رمزا لاي انجاز لها. ولكن المسالة لم تكن تقتصر على ذلك، بل انها كانت ترجمة لخلفيات الصفقة التي مكنت الهند من الوصول الى قنبلتها. لقد كانت الولايات المتحدة هي من ساعد نيودلهي على ذلك ولكن الثمن كان المساهمة في تضييق الحصار على الصين. وبماذا؟  باستقبال الدالاي لاما، وتسهيل كل الاعمال المدرجة في حملته ضد بكين.

فقد  بدات الحكاية عندما بدا واضحا ان الثورة الصينية ستنتصر، حيث  راح الاميركيون يقنعون الدلاي لاما بالخروج الى المنفى، وتحديدا الى الهند، لجعله ورقة بيدهم ضد نظام ماو تسي تونغ.  في البداية رفض وكان يطلب من الولايات المتحدة ان ترسل جيشا لمساعدته ضد الثورة الماوية كما فعلت في كوريا، لكنه اخيرا رضخ في عام 1959، وبقي على الاميركيين اقناع الهند باستقباله.  لم تكن العاصمة الهندية متحمسة لاستقبال الدالاي لاما، ولكن ايزنهاور عرض على نهرو  مقابلا هو استقبال 400 تقني هندي لتدريبهم على التكنولوجيا النووية. وهكذا تمت الصفقة، واطلق الهنود على قنبلتهم الاولى لقب: بوذا الباسم .

هذه الصفقة هي ما كشفت عن مجرياتها عدة ابحاث صدرت عن مؤسسات جامعية وبحثية واستخبارية اميركية، وذلك بعد استقالة باتريك فرنش مدير حملة: ” الحرية للتيبت ”  (فري تيبت كامبان ) التي يتزعمها الدلاي لاما. فقد اعلن فرنش انه  اكتشف عندما اتيح له التدقيق   في ملفات الدالاي لاما ان الوثائق وشهادات من وصفوا بالناجين من مذبحة الابادة الجماعية التي اتهمت بها الصين ضد اهل التيبت، هي مزرورة وملفقة  وفي احسن الحالات محورة. ومعروف ان من اشرف على جمع هذه الملفات  في الهند هو جيالو ساندروب شقيق الدالاي لاما .

وثيقة اميركية ثانية كشفت عن ان  وكالة الاستخبارات الاميركية (سي اي ايه ) قد جندت سانتروب هذا  وشقيقه  توبتن نوربو منذ عام 1951 ووزعت العمل بين الاثنين بحيث كلفت الاول بجمع الاموال وادارة حملة الدعاية الدولية والاخر بالعمليات العسكرية

كما ان الوكالة كانت تخصص سنويا 180 الف دولار للدالاي لاما شخصيا، و 7،1 مليون  لتمويل شبكته الدولية،  وعندما توقفت السي اي ايه عن ذلك عام 1972  تولت الامر  منظمة غير حكومية  هي (ايند)

من جهة اخرى كشفت وثيقة اميركية اخرى عن حقائق مذهلة بشان عدد الضحايا المزعومين: لقد سوقت الدعاية رقما اصبح شبه ايقونة، وهو رقم 2،1  مليون ضحية ،  وقد دلت الوثائق على ان عدد اهالي التيبت كان عام 1945  مليون ونصف واصبح الان ستة ملايين ، فمن اين جاء هؤلاء؟

اخيرا  جاءت الحقيقة الاخيرة، المذهلة ايضا وهي ان هذا الرجل الذي يقدم للعالم على انه بابا البوذية لا يمثل الا جزءا ضئيلا جدا من اتباع  هذه الديانة، حيث يشكل اتباعه واحد على ستين من البوذيين  اذ لا يعترف به ولا يتبع له البوذيون على طريقة الزن ، لا ولا البوذيون الصينيون  ولا البوذيون في جنوبي اسيا.

رغم ذلك صنعت منه الدعاية الاميركية منفيا بطلا، وراس ديانة اشبه ببابا روما، وزعيم قضية ” انسانية ” لاتلبث تحركها بوجه الصين، وتحرك بها العالم، كلما احتاج الامر الى وسيلة ضغط. وثمن ذلك كله اعطاء التكنولوجيا النووية للهند؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون