في كل ابحاثنا المعمقة عن الفضائيات العربية، خاصة تلك المتعلقة بدورها في عملية التغيير، كنا نصل دائما الى الفجوة الكبيرة الناجمة عن غياب قضايا التابوهات الحقيقية عن دائرة النقاش التلفزيوني. صحيح ان البرامج السياسية تبدو وقد تجاوزت بكثير افق التلفزيونات المحلية التي كانت تخضع كليا لرقابة وبرنامج النظام القائم وبالتالي لخطاب البروباغندا القائمة، اما على ما يقال واما على ما يتم اخفاؤه. ولكن القضايا الاساسية التي تشكل سبب تخلف العالم العربي، سياسيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا ظلت خارج البرامج. واذكر انني خصصت في رسالتي للدكتوراه فصلا كاملا لعنوان: التابوهات المسموح بكسرها، لاصل ان في مقدمتها تابو التطبيع مع اسرائيل، وبعض المواضيع الاخرى التي تتم ملامستها برفق مطلق، ولغاية في نفس (جاك ) اي يعقوب باللغة الاجنبية. في حين تبقى مواضيع الامية والفساد والسلطة المطلقة والتوريث وغياب التمثيل الشعبي الفعلي وغياب العدالة الاجتماعية في الدول الثرية كما في الدول الفقيرة،وتردي برامج التعليم، وغياب التامينات الصحية، وتوزيع عائدات النفط.الخ….مواضيع غائبة عن شاشات الفضائيات علما بانها تشكل استعصاءا مرضيا قاتلا وسرطانا ياكل خلايا الجسد العربي ويضعف كل اجهزته بما فيها جهاز المناعة. بحيث يبدو هذا الوطن المنهك بالايدز وكانه في حالة صحية لا تشوبها الا صراعات الخلاف السياسي، واوبئة الاحتلال.
غير انني كنت اؤمن دائما ان ما يزرعه الاميركيون والغرب والانظمة – ولا خيار لهم فيه – من معارف ومعلومات وادعاءات مخادعة حول الديمقراطية وحقوق الانسان، لا بد ان يصل في النهاية، ولو بعدت تلك، الى تشكيل السلطة المضادة، وفق نظرية فوكو المعروفة. تشكيل لن يكون باي حال اسوأ مما نحن فيه الان. بل انه قد يتجه الى ما هو افضل مع وجود نخبة واعية لم تنقرض بعد عن الساحة العربية، ومع نمو نخبة جديدة غير نخب الاستثمار والسوق. اضافة الى افادة كليهما من تجارب الماضي القريب وفشل محاولات التغيير العربية وانحيازها عن الخط.
وخلال الاسبوع الفائت، وبعد قمة مجلس التعاون الخليجي في الدوحة، فاجاتنا الجزيرة – وهي السباقة دائما بندوة خليجية، قدمها المذيع علي الظفيري وجاءت كل كلمة فيها مفاجاة سارة بحد ذاتها. خمسة من الاساتذة الخليجيين، من القومي المخضرم الدكتور محمد المسفر الى الشباب من مثل خالد الدخيل او ناصر الصانع او محمد الركن: سعودي، كويتي، قطري، اماراتي، بحراني الخ وكلهم يثير مواضيع لم نالفها اطلاقا على الفضائيات، المواضيع التي اعتبرنا غيابها فجوة نقص في اية عملية تغيير. يناقشون تقرير الشفافية الدولية لعام 2007، ومواقع الدول العربية عليه.ويثيرون انعكاس ذلك على الشعوب. يطالبون بالاعلان عن الثروة، بادخال اموال النفط ضمن الميزانيات، كما يطالبون بالاصلاحات السياسية التي تؤمن تمثيلا حقيقيا للشعوب وتمكن مجالس الممثلين من المحاسبة والمساءلة، بل ويمضون في ذلك الى حد ادانة مبدا السلطة المطلقة، والمطالبة بملكيات دستورية تشريعية. يحللون تحديات الطفرة النفطية من التضخم والغلاء الى الفقر والبطالة. توازي البطالة المحلية ( 35 بالمئة ) مع ارتفاع نسبة العمالة الاجنبية ( غير العربية ) الى 90 بالمئة في بعض الدول الخليجية وخطورة ذلك على المستقبل الوطني الاقتصادي و القيمي الثقافي والاخلاقي والقومي للخليج. يطرحون مسالة تدني مستويات التعليم، بل ويكشف الدكتور المسفر عن مسالة خطيرة هي مسالة تغريب التعليم، مطالبا بتعريبه، ليتركنا نتساءل: نحن الذين نعترض على تسمية الخليج الفارسي، اما زلنا في ذاكرة الماضي ( نغمس خارج الصحن ) ولا نعرف انه لن يعود لاعربيا ولا فارسيا ( رغم ان احمدي نجاد اراد ان يفيد من ذلك الوضع بطلب فتح الباب امام العمالة والاستثمارات الايرانية )؟ يصلون الى مسالة الفجوة المتنامية بين الاكثر غنى والاكثر فقرا، فجوة تترك انعكاساتها المحتومة على الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
غيض من فيض نعرف انه يمور على ارض الخليج كامواج شاطئه، ولكننا لم نكن نتوقع ان نسمعه على شاشة الاعلام الخليجي نفسه. واذا كان ثمة من يرد بالاشارة الى نية قطرية غير بريئة تبدا من شخص علي الظفيري نفسه، السعودي المتمرد، والناقم المنتقل من العربية الى الجزيرة وتنتقل الى اشخاص المشاركين الاصلاحيين انفسهم. فان الرد على الرد يختصر: برب شر جاء منه خير. المهم ان تكشف السجادة عن ما تخفيه المكنسة تحتها. ان يطلق الحوار وتثار القضايا في كل ارجاء الوطن العربي، ليصبح علينا جميعا ان نعنى باتجاه ديناميتها.