الخليج الفارسي

صحيفة الشروق، 05-12-2007

قلق صريح ودعوة حازمة، يقابلهما تجاهل وطروحات عملية. خطاب اذا ما قيس بمقياس المسكوت عنه، اتضح ان احمدي نجاد اراد ان يقول ان ايران ليست قلقة من التهديد الاميركي، وانها اذ تطرح جدول اعمال كامل للتعاون مع دول الخليج فانما تقدم البرهان على انها لا تشكل خطرا على اي منها، كما تقدم البرهان على المصالح المشتركة التي تفضي الى ان من مصلحة دول مجلس التعاون الا تقف مع الخصم او العدو الاميركي.

 

اما اذا ما قيس بمعيار ان الامور بخواتمها، فالخاتمة تكرار مصطلح الخليج الفارسي مرتين متتاليتين، دونما ضرورة، اللهم الا التاكيد على ما تفضي اليه القراءة المعمقة لجملة المقترحات العملية التي قدمها الرئيس الايراني، ولنتائجها في حال تطبيقها، او حتى تطبيق جزء منها. بحيث تجعل من مجلس التعاون العربي اقرب الى ايران منه الى بعده العربي، وتربطه ببلاد فارس عبر خطوط هي ما تقوم عليه، تأسيسا، الوحدة او الاتحاد بين الدول: من سكك الحديد التي تذكرنا ببيسمارك يوم قيل له انت موحد المانيا. فاجاب: لا لست انا بل سكك الحديد. الى منطقة التجارة الحرة، الى حرية تملك العقارات، الى الغاء التاشيرات.. الخ.

 

واذا ما لاحظنا تقابل تكرار كلمة” الفارسي”، مع الغياب الكلي لاية صفة”عربي”، ومع المقدمة المطولة من الايات والدعاءات والحديث عن الاخوة الاسلامية، لعدنا الى التاريخ البعيد وصراع تفضيل الرابط العربي مع الامويين وتفضيل الرابط الاسلامي المفضي الى الشعوبية مع العباسيين، او الى التاريخ الحديث ومبدا تصدير الثورة المفضية الى زعامة ايرانية بحجة اسلامية. زعامة اراد نجاد تكريسها وتكريس كل ما سبق بدعوة ظاهرها ودي ومسالم الى عقد المؤتمر القادم للمجلس في طهران. لكن الرئيس الايراني حرص من جهة اخرى على الا تكون دعوته مقلقة اذ ركز على العلاقات المتكافئة وعلاقات الجيرة والتعايش والاشتراك في الاصدقاء والاعداء والميزات والخصائص، والدعوة الى السلم والامن دون تدخل اجنبي. وقد تبدو هذه العبارة الاخيرة هي الاشارة الواضحة السريعة الى البند الاساسي على جدول اعمال القمة اي ازمة الملف النووي والتهديد الاميركي، اشارة عاد وقرنها ببند من المقترحات الاثني عشر، نص على خلو المنطقة من التوتر ومنع الاجانب من التدخل. كما وردت اشارة خاطفة غامضة وعامة ايضا يمكن ان تشمل البند الثاني الاساسي على جدول الاعمال، اي الموضوع العراقي، وذلك عبر الدعوة الى التازر مع دول الجوار، فيما لا يتناسب ابدا مع حجم القضية العراقية.

 

باختصار كان القلق الخليجي واضحا وحاسما في كلمة الافتتاح التي القاها امير قطر، كما على وجوه جميع القادة الذين جالت عليهم الكاميرا، وليس اقلهم امير البحرين ورئيس الامارات. وكان الرد الايراني يحاول طمأنة المخاوف الاقليمية ولكن دون الحديث عنها وبالعبور الى برنامج عمل مستقبلي كامل، يؤدي الى صيغة فعلية من التعاون لكنه يدخل الخليج، الى حد ما في الدائرة الفارسية. فاي توازن في تبادل العمالة مثلا؟ او الخبرات التعليمية والعلمية والبحثية؟ او التعاون الامني؟ او في التجارة الحرة، المنطقة الحرة؟ علما بان ثمة اغراء يقدمه رئيس دولة البازار يتمثل في الماء الصالح للشرب، واستثمار الغاز والنفط.

 

ملاحظات لا تعني مطلقا ان اي رفض لمبدأ التعاون بين العرب وايران، في مواجهة الاخطار الخارجية التي تتهدد المنطقة من جهة، وفي مواجهة تحديات التنمية والتحديث، للحاق بالعالم في مختلف المجالات. كما انه لا بد من الاعتراف بان الجسر الافضل لهذا التعاون هو منطقة الخليج العربي والعراق لاعتبارات كثيرة، منها الجغرافي ومنها الاقتصادي. لكن التعاون صيغة تقوم لغويا على وزن تفاعل، اي تبادل ندي ومتوازن بين طرفين، وهذا ما هو غير مؤمن في حاضر الوطن العربي باي حال.

 

واذا كانت اسباب غيابه اكثر من ان تحصى فان اولها واساسها يتمثل التجزئة التفتيتية التي فرضها المستعمر الفرنسي والانكليزي على امة خارجة لتوها من الاستعمار العثماني الطويل. واذا كانت محاولات الوحدة العربية العاطفية المبدئية والمرتجلة قد فشلت عبر عدة تجارب فان محاولات هادئة كتجربة مجلس التعاون الخليجي قد تؤدي الى نتائج افضل، خاصة اذا ما اعترفنا بالواقع الجغرافي والثقافي وعملنا على ثلاثة صيغ اخرى: في سوريا الطبيعية، في المغرب العربي، وفي وادي النيل، لنصل اخيرا الى شكل ما من اشكال الفدرالية او الاتحاد او على الاقل الجبهوية بين هذه الاطراف الاربعة. على ان يظل كل منها واعيا ان ارتباطه الاول والاساسي، كوحدة، هو بعده العربي، ومن ثم يأتي البعد الاقليمي الاسلامي.

 

حقيقة لا تفصّلها الرغبات السياسية بل يفرضها واقع الحياة منذ التاريخ، وطبيعة الثقافة والخط الفكري التي تمثلت في طبيعة الخطاب، خلال كلمتي القمة. خطاب عربي يستهل بالفخر، ويعبر الى التعبير الصريح عن المشاغل والقلق، والطرح الصريح للحل والرؤية، ووراء كل ذلك منطق ضعف، بل وعجز، يعبر عن الحالة العربية الراهنة بين مطرقة الايرانيين وسندان الاميركيين ولا حول ولا. وخطاب فارسي يفرش التوطئة الدينية ليعبر منها الى برنامج عملي مرقم البنود محدد المجالات، يقيم البازار ويطرح السلام الفارسي.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون