لا يكتفي الاميركيون من جعل غبار وضجيج انابوليس ستارا لما يريدون التمويه عليه من واقع قائم في العراق، ومخطط مخبوء لايران، بل انهم لا يغفلون عن جعله مناسبة لتمرير اكثر من امر يخصهم او يخص اسرائيل، فكيف اذا كان هذا الامر بندا ستراتيجيا تاريخيا يتعلق بكليهما معا، ويمس الاقتصاد والجغرافيا والامن في مفصل اساسي، يعيد رسم امور كثيرة على خريطة المنطقة.
فقبل ايام، وتحديدا قبل انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية العرب بثلاثة ايام نشرت جريدة ها ارتس الاسرائيلية ان الادارة الاميركية طلبت من اسرائيل اعداد تقرير عن امكانية وكلفة مد خط انابيب كركوك – حيفا، واحياء خط الموصل – حيفا، الذي كان قائما قبل الاحتلال الصهيوني لعام 1948. وبذا ياتي تحقق هذا الحلم الاسرائيلي القديم، الان، وكانه مطلب اميركي، تكافىء به واشنطن تل ابيب على مساهمتها في دعم احتلال العراق، كما قالت الصحيفة.
لكنه اذ ياتي مكافاة لاسرائيل، انما يشكل ايضا عقوبة، او بالاحرى تقليم اظافر لكل من تركيا وسوريا، تركيا التي يمر النفط العراقي منها الى اسرائيل الان عبر ميناء جيهان، وسوريا التي كان خط انابيب الموصل يعبرها. وهو سيؤدي كذلك الى انعكاسات خطيرة على المسالة الكردية، حيث ستغير الانابيب وجهتها الحالية من كركوك نحو الشمال، عابرة كردستان، الى الاتجاه المعاكس تماما، من كركوك الى الجنوب الشرقي. غير ان هناك ما هو اكثر ستراتيجية بالنسبة للصهيونية. فالاصل ان عبور النفط من كركوك الى حيفا يعني مد خط يمتد من شرقي الهلال الخصيب الى جنوبه، اي من طرف اسرائيل الكبرى الى طرفها الاخر. خط يشكل ابلغ اجراء في عملية التهويد الاقتصادي للمنطقة، وسيطرة اسرائيلية كاملة ومباشرة على النفط العراقي الذي يتم انتاج 40 بالمئة منه في كركوك.
المشروع ليس مفاجئا وقد تم الاعلان عنه بعد اسبوع واحد من الاحتلال الاميركي، لكنه ارجىء الى ان جاء الوقت المناسب. ولعل مما يثير السخرية المرة ان وزير الطاقة الاسرائيلي يوسف بارتسكي، ذهب يناقش الامر مع وزير الطاقة الاميركي صموئيل بودمان، اليهودي المعروف بصهيونيته وتاييده لاسرائيل، ويبدو ان الامور تجاوزت المبدا الى البحث بالتكاليف واتخاذ بعض الاجراءات التمهيدية، حيث قال الوزير ان الخط يكلف اربعمئة الف دولار للكيلومتر الواحد.والسؤال هنا عمن سيدفع؟ لكن الجواب لا يشكل العقبة الرئيسية بل ان هذه تكمن في الموقف الاردني، كما قالت اسرائيل، التي اعترفت بصعوبة اقناع الحكومة الاردنية بالموافقة. وكانها بهذا تطالب الاميركيين بالضغط على هذه الاخيرة.
اما المعارضة الشعبية من حول الانبوب الذي سيخترق العراق والاردن وفلسطين فقد تحسبت لها اسرائيل ايضا عبر مطالبتها بانشاء نقاط حماية عسكرية على طول المسافة. فهل من ذريعة اكثر ابتكارا لاحتلال جديد؟
اما الاجراءات فقد لاح بعضها مما لا يبدو في ظاهره مرتبط بذلك. حيث راينا اليوم نبا الغاء الحكومة العراقية لعقود النفط التي ابرمتها حكومة كردستان مع الشركات الاجنبية، بل والغاء عدد من عقود النفط التي ابرمت في مناطق اخرى