جنون الخلايا!

صحيفة الشروق، 19-11-2007

عيناه الغائرتان هما عينا فلسطين المكلومة، وكلاهما مريض  بجنون الخلايا.  افليس من غريب المفارقات ان يكون توصيف مرض السرطان هو: جنون الخلايا، وان نرى على شاشة الجزيرة هذا الشاب المسكين ابن الثانية والعشرين عاما يسقط  في غزة  ضحية المرض الخبيث محروما من العلاج  لانقطاع سبل الحركة، بسبب الحصار. فهو عاجز عن الوصول الى مصر او فلسطين المحتلة، في حين يتهيا قادة فلسطين للذهاب الى واشنطن للمشاركة في مؤتمر لن يؤدي حتى الى فك الحصار عن غزة. فكيف الامر بالامور الجوهرية في القضية الفلسطينية، التي يريد الاسرائيليون لها ان تذكر كعناوين دون الدخول الى مضامينها وحلولها. ولماذا ذكرها في هذه الحال؟ لتعريف من بوجودها؟ اية مهزلة تلك العودة المتكررة دوما الى الصفر! فيما يعود الفريق الفلسطيني الى ما تحت الصفر على صعيد وحدته ومشروعه الوطني، وتتقدم اسرائيل مئات الخطوات على صعيد تركيز الامر الواقع على الارض، ورفع مستوى اعلان نواياها السياسية. فلم يكد ابو مازن ينقل الى السعودية تشاؤمه من نتائج انابوليس، فترد عليه المملكة بتشاؤم اكبر، حتى خرجت تسيفي ليفني تعلن ان على الفلسطينيين والمؤتمر ان يقروا بان اسرائيل دولة يهودية، وان الدولة الفلسطينية المطروحة هي دولة جميع الفلسطينيين بمن فيهم فلسطينيو الثامنة والاربعين.

دعوة للترانسفير! الغاء لحق العودة! وبالتالي تحديد من جانب واحد لقضية من القضايا الجوهرية التي قال الاسرائيليون انهم يرفضون بحثها. لا داعي للبحث طالما انهم يقررون بدونه، وطالما ان الوزراء الاوروبيين، يسمعون الخطاب مبتهجين، ويمتنعون عن التعليق عليه عند انتقالهم الى رام الله. وما الذي يجبرهم على التعليق؟ سؤال هو نفسه اذ يطرح بصيغة اخرى: وما الذي يجبر ليفني وحكومتها على بحث ما لا تريد بحثه؟

هذه هي المسالة الاكثر جوهرية، وجوابها لا يكمن في الحجج التي طالما اعتدنا عليها: الفلسطينيون لا يقدرون لان بعد انابوليس، مؤتمر المانحين في باريس. الفلسطينيون لا يقدرون لان اميركا متماهية مع اسرائيل، ولان اوروبا باتت تميل الى الموقف نفسه. هم لا يستطيعون لان الموقف العربي ضعيف.

حجج في كل منها شيء من الصحة، لكنها لاتمثل الا جزءا صغيرا من الجواب، فلم تكن اميركا  يوما، اقل تماهيا مع اسرائيل. ولم تكن اوروبا يوما الا منقسمة حول هذه القضية، ولم يكن العالم العربي منذ بدء التفاوض اقل انقساما وضعفا. واذا كان هناك من جديد، فهو ان اميركا لم تكن يوما مازومة كما هي اليوم:   في المنطقة، بسبب الوضع في العراق، وفي العالم بسبب ارهاصات عودة تعددية الاقطاب الى الساحة الدولية باسرع مما توقع الجميع. ولذلك فهي لم تكن يوما باكثر حاجة الى الفلسطينيين للتغطية على اوضاعها ومخططاتها في المنطقة.اما اوروبا فهي الاخرى في مازق بين مطرقة بوتين وسندان بوش وهجمة الصين. في حين ان الاسرائيليين يدخلون المفاوضات ولم يكادوا يلملموا هزيمتهم الثانية  في لبنان. رغم ذلك فان الفلسطينيين يدخلونها وهم في اضعف حالة مروا بها في تاريخهم لسبب وحيد هو افتقادهم لوحدتهم الداخلية. وصراع نصفهم مع نصفهم الاخر. فبين ابو عمار ذاهبا الى كامب ديفيد ووراءه كل فلسطين، في يده ورقة بطولاتهم، وفي يده ورقة عذاباتهم، وفي يده ورقة تعدديتهم وديمقراطيتهم. وبين ابو مازن المستعد للذهاب ولم يتسلم ورقة الدعوة حتى اليوم الاخير، ويده الفارغة ممدودة تتسول دعم بقائه في وجه نصف شعبه ووراءه صورة فلسطينيين يموتون في غزة محرومين من الدواء بسبب الحصار الذي تفرضه حكومته مع الاسرائليين.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون