لايعيشون الا في دائرة الاسئلة، دوامة ليس فيها الا القلق. ماذا بشان الرئاسة الاولى؟ ماذا بشان احتمالات الحرب، لبنانية اسرائيلية او اقليمية؟ اضافة الى سؤال مضمراخر، يثير المخاوف اكثر: ماذا عن احتمالات عودة الحرب الاهلية؟
اسئلة تشد اللبنانيين الى كل كلمة ينطق بها سياسي، علهم يجدون فيها نثارا من اجابة. لكن ثمة من يعرفون ان كلمته، احبوه ام كرهوه، تشكل معيارا ودلالة اكبر من سواها. في المقدمة طبعا سيد المقامة حسن نصرالله، ولكن الى جانبه ايضا الذين يمسكون بيدهم المفاتيح: مفاتيح التفجير، ومفاتيح الحل. سميرجعجع، وليد جنبلاط للتفجير. ميشال عون، سعد الحريري،البطريرك صفير،سليمان فرنجية، امين الجميل، للحل.
بهذا الحس انتظروا خطاب نصرالله في ذكرى الانتصار التموزي. فبدا، من السياق العام مشغولابمسالة الحرب، اكثر منه بمسالة الر ئاسة. بحيث تشكل خطابه من مجموعة كبيرة من الرسائل المضمرة والمباشرة. رسائل اذا كانت قد استهدفت علنا فرضية الحرب الاسرائيلية- الاميركية على لبنان، فانها ضمنا توصل الرسالة الى الفريق الذي يمكن ان يفكربتفجير الحرب الاهلية بدعم اميركي اسرائيلي والى حد ما اوروبي. الرسائل تفصيلية ومدروسة ويمكن تجميعها وتلخيصها تحت العناوين التالية:
تصليب محاور الجبهة الداخلية حول المقاومة، بحيث تتدرج هذه المحاور من الدائرة الاولى التي تتشكل من جمهور المقاومة الذي نال حصة الاسد من الخطاب الذي استنفر كل وسائل وامكانات الشحن والتصليب والتحفيز والتطمين. الى الدائرة الاولى التي تتشكل من الحلفاء والمتضامنين من الشعب اللبناني بكله، شد السيد بقوة على كل مفاصل الوحدة الوطنية، والالتفاف اللبناني العام في وجه العدوان الخارجي، وتحمل الخسائرالتي يمكن ان تلحقها اسرائيل بالوطن، واحتضان الشريحة التي تطالها الحرب بشكل مباشر. اما الدائرة الثالثة فهي الدائرة العربية والاسلامية التي لم يهملها سيد المقاومة، واخيرا الدائرة الرابعة والعالمية والتي حرص على ان يؤكد لها على توجهه المسالم بان يقول مشددا اننا لا نريد الحرب ولا نسعى اليها،ونحاول تجنبها.
غير ان الرسالة الاهم هي تلك التي وجهها الى اسرائيل نفسها، فقد شن حربا نفسية سياسية مدروسة وذكية باتجاه، خطه الاول هو منع الحرب، وخطه الثاني هو ضرب معنويات الاسرائيليين في حال حصولها. ففي سياق منع الحرب، كان استعراض القوة وبشكل يوحي بمصداقية عالية، وكان اظهار الالتفاف حول المقاومة، وكان الضرب على الفصل بين المسؤولن الاسرائيليين انفسهم، خاصة باراك واولمرت اللذين يملكا الان قرار الحرب، كرئيس للوزراء ووزير للدفاع يراس ايضا حزب العمل وبالتالي يرشح لرئاسة الوزراء.ولم يكن نعت باراك بالذكي لكونه يرفض الحرب، الاّ حثّا لهذا الاخيرعلى التمسك بهذا الموقف الرافض.
وبما ان خطاب نصرالله لم يات في فضاء فراغ محلي،عربي واقليمي، فانه لا بد من الانتباه الى انه جاء بعدهزيمة الموالاة في انتخابات المتن، كما انه لابد من ربط روحيته بالكلام الكثير الذي يدورحاليا حول معركة اسرائيلية شاملة تجمع لبنان وسوريا وغزة. كلام يترجم على الارض بالمناورات الاسرائيلية في الجولان والنقب، والتي كشفت الصحف الاسرائيلية عن كونها تتضمن تدريبات على حرب المدن، واعادة تاهيل للواء الجولاني الذي فقد الكثير من هيبته في الجنوب اللبناني وخاصة في معركة بنت جبيل، خلال حرب تموز الماضي. كما يترجم بحديث السياسيين والاعلام الاسرائيليين عن تسلح سوريا واستعداداتها للحرب، في سياق تبريري لحرب ممكنة. كما كلامسوريا عن تزودها باسلحة جديدة ومتطورة، واخرها بدء تنفيذ صفقة الدفاع الجوي مع روسيا. حديث وصل وسائل الاعلام العالمية التي توقع عدد منها، من مثل لوموند الفرنسية ونيويورك تايمز الاميركية، الحرب، ان لم يكن هذا الصيف ففي موعد اخر.
واذا كان بعض المحللين يستبعدون خيار الحرب اذ يعتبرون ان اسرائيل ترفع اللهجة الحربية لاستعادة هيبتها المفقودة، ومعنويات شعبها وجنودها،دون ان تفكر جديا بالحرب. وانها تتذكر قول شارون عام 1982: ” الجنرالات يعرفون ان اسرائيل اذا خسرت الحرب في معركة واحدة، فان الخسارات ستتوالى معركة اثر الاخرى.” فان الرد على ذلك هو في ان هذه المعرفة لم تمنع من شن الحرب بعد فشل اجتياح 82 وبعد التحرير.
غير ان ثمة عوامل دولية اقليمية وداخلية قد تؤثر فعلافي منع قرار الحرب، ومنها تبلور تحالف منظمة شنغهاي وتوسيعه، اذا عرفنا كيف نستفيد منه. خاصةوانه يشكل ضوءا في اخرنفق الاحادية الاميركية، يبشر بعودة صيغة ما للتوازن الدولي.ومنها غرق الولايات المتحدة اكثر فاكثر في المستنقع العراقي، الااذا فكرت ادارة بوش بان تفجيرا اقليميا قد يفيدها في هذا المازق. ولكن العامل الاقوى هوالعامل الداخلي. فاذا كاناستطع مركز حاييم هرتزوغ للدراسات قد دل على ان ما يقرب من اربعين بالمئة من مواطني دولة اسرائيل لم يعد يؤمن ببقائها، وربطت ذلك بهزيمة تموز، فان الامر الوحيد الذي من شانه ان يصحح هذا الوضع هو تحقيق انتصار: اما على الساحة السياسية، واما عسكري. وفي حال اللجوء الى الثاني، فان الحرب النظامية على سوريا، وعلى غزة هي التي يمكن ان تعطي الدولة العبرية فرصة افضل، لكنها حربا ستقتضي ايضا مشاغلة الجبهة اللبنانية.