عاما من عمرنا… ونغادره غير اسفين الا على ما خسرناه خلاله. وما خسرناه كثير كثير، اكبر من كل الخسارات التي منيت بها هذه الامة عبر القرن الماضي. كنا باحتلال مباشر فاذا بنا باحتلالين مباشرين وبعدد اكبر من الاحتلالات غير المباشرة، فاذا كان احتلال العراق قد جاء مكملا وتاليا لاحتلال فلسطين فان سائر الاقطار العربية الاخرى هي كلها مدعوة للالتحاق بركب الاحتلال الطوعي المنصاع وغير المعلن. واذا كان النموذج الاول قد فجر مقاومتين مضيئتين تخللتهما نقطة ضوء اخرى هي المقاومة اللبنانية، فان النموذج الثاني، أي الاحتلال غير المعلن هو ما لا يؤدي الا الى الكبت والقهر والاحباط، دون أي تفجير يهدد المخطط العدو.بل ان هذه الحال هي المثالية لرفع منسوب الضغوط التي تتحول بدورها الى عملية تطويق للمقاومتين العراقية والفلسطينية.
وقبل هذه الاحتلالات المتعددة الجنسيات، كان المواطن يشكو من حياة يومية مرة فاذا بها تتحول امام عينيه الان الى نعيم ازاء ما اصبح يعيشه بعد نعيم سياسة السوق، وانعام هاليبرتون وشقيقاتها. كانت اللقمة صعبة فاصبحت اصعب، وكان الشتاء دافئا فاصبح متعذر الدفء، وكان الامان متوفرا فاصبحت اشباح الفوضى، والدمار تهدد الجميع، كانت الكرامات مهددة بقمع الانظمة فاصبح التهديد قبضتين متحالفتين : داخليتين وخارجيتين.كان العقل قادرا على ان ينأى بنفسه، ولو نسبيا عن التهميش والتسطيح، فاصبح هذان عنوان المرحلة.
“وكان وكان.. وغص القلب بالاحزان…” عفوك الحبيبة فدوى طوقان، وهنيئا لك انك لم تعيشي لغصة جديدة، تقفينها على ابواب جديدة تضاف الى ابواب يافا، وعفوك ايضا ان لم تنته غصتنا كما انتهت احزان قصيدتك الرائعة، ان لم نمسح عن الجفون ضبابة الدمع الرمادية، وندفن البكائيات اذ ننظر الى اضواء المقاومات التي تنثر في ارض بلادنا بذور حنطتها، التي لا بد وان تعطي يوما سنابل كثيرة.
عفوك ان لم نحول صوتنا في العام الجديد الى نغم في سيمفونية المقاومة التي تشمل ارض بلادنا من اقصاها الى اقصاها مرتدية في كل بقعة ما يناسب واقع الحال فيها.ان لم نحاول باي شكل من الاشكال ان نمنع التصفية عن الفلسطينيين، وان نفك الطوق الذي يشتد اكثر فاكثر حول العراقيين، وان نحول دون استكمال المؤامرة في لبنان وسوريا، وغيرهما. من ان نحرس ككهنة مجوس ايماننا بالارض والانسان، بالمستقبل وبالتاريخ، حتى ولو كان مدى تحقق هذا الايمان بعيدا بعيدا.
