هي معركة الموت، ولنسمها باسمها. وهي معركة الارهاب ولنسمها باسمها. اجل فهو موت الامبراطورية الذي لا بد وان يعني موت تابعيها ومن راهنوا على طغيانها، او موت الوجود العراقي والعربي ومن يراهنون على انتمائهم وبلادهم وامتهم، رهانا يعرفون كلفته مسبقا. وهو الارهاب الذي مارسته الدولة الاولى في هذا الكوكب، ممارسة لم تبلغ تجلياته يوما ما تبلغه الان في العراق. لا لصدفة وانما لان العراق هو البؤرة التي سيحسم فيها مصير الامبراطورية ومصير المشروع الصهيوني، الذي ماهى المحافظون الجدد بينه وبين الديمقراطية الاميركية. لذا فان الارهاب الاميركي في العراق هو نسخة مكبرة عن الارهاب الصهيوني في فلسطين.. وفي العراق ايضا، حيث لا تخفى اليد الموسادية على مبصر. ارهاب، ان تجاوزنا الصورة العامة له الى التفاصيل، وصلنا الى قوائم الاغتيالات النيغروبونتية ضد العلماء العراقيين، التي يتعدى اجرامها الارهاب السياسي الى الارهاب الانساني. ووصلنا الى فضائح التعذيب والانتهاكات لكل حرمات الحضارة والمجتمع.
وبما ان الناس على دين ملوكها، وبما ان ملك الاحتلال هو الاميركي المستعمر، وملك الاميركي هو الصهيوني الراسم للخطط والمحدد للخطوط، فان التطور الجديد الذي قرأنا عنه قبل يومين، هو نقل هذا الارهاب الاميركي الصهيوني الاميركي الى الساحة الدولية وتحديدا الاوروبية، لاخراس الاصوات العراقية التي تجد في ساحات الحريات الاوروبية مجالا لقول كلمة لا تستطيع قولها على ساحات الوطن العربي، ويتم خنقها والتعتيم عليها على الساحة الواقعة تحت الاحتلال المعلن. غير ان الجانب المثير في الخبر الذي وزع على الانترنت انه قد تم تدريب فرق اغتيالات تابعة لمنظمة بدر على القيام بعمليات ضد عدد من الرموز العراقية في اوروبا، من مثل عوني القلمجي ونوري المرادي وسواهما.
مسألتان تستحقان التوقف في هذا الخبر، سواء ثبتت صحته ام لم تثبت: الاولى ان الاحتلال قد اوكل الاعمال القذرة لفصيل من العراقيين المتعاونين معه، وما هذا التفويض الممنوح لفيلق بدر على الساحة الدولية الا امتداد للتفويض الذي ثبت منحه على الساحة العراقية نفسها، مما يذكرنا بمقولة انطون سعادة حول تقدم خطورة يهود الداخل على يهود الخارج، اذ ان اذى هؤلاء يكون مثلث الاضلاع، فهم اقدر على التنفيذ لاسباب كثيرة، وهم الممسحة النموذج التي تمسح بها قذارة الجريمة عن وجه الاحتلال، لتلقى على وجه العراقيين، ثم انهم وبارتباطاتهم المعروفة بايران سينفعون لتأجيج نار الشرخ الطائفي العراقي بالدم والغدر، ويبقى ان الله وحده يعرف ما هي امتداداتهم وتحالفاتهم على الساحة الاوروبية المزروعة بالموساد وغيره من الاجهزة الغربية والعصابات اليهودية والمافيات الاجرامية. وهنا يجدر التذكير بالبيان الذي وزعته رابطة الدفاع اليهودية على الانترنت عقب الاحتلال، بعنوان: ” صناع الحرية” وحيت فيه ثلاث شخصيات على رأسهم بيان جبر وزير داخلية الاحتلال في العراق، لتعقبه ببيان اخر تطالب فيه هؤلاء الصناع بتنفيذ التعهدات التي قطعوها لها مقابل المساعدة التي قدمتها لتهيئة الاحتلال. دون ان ننسى ان هذه المنظمة هي المنظمة الاكثر تشددا ودموية من بين المنظمات الصهيونية في العالم، بحيث ان ”اف بي آي” نفسها قد وضعتها في المرتبة الثانية على قائمة المنظمات الارهابية في الولايات المتحدة. وهي تلك التي يعرف امتدادها الاسرائيلي بمنظمة ”كاهانا حي” نسبة الى الحاخام مئير كاهانا.
اما المسألة الثانية فهي تلك التي تعيد الينا وجه غسان كنفاني وكمال خير بيك وكمال ناصر… فما الذي يفعله هؤلاء العراقيون المطروحة اسماؤهم للتصفية؟ انهم مجرد رجال كلمة، كلمة مناضلة، سياسية كانت ام فكرية. واذا كان ذلك لا يعني اطلاقا اننا لا نعرف اهمية الكلمة الحق، خاصة في صراع قام بكليته على الاكاذيب ولي الحقائق وتشويه الصور، واذا كانت وجوه المناضلين الفلسطينيين الشهداء لا تطل علينا الا لتقدم لنا برهانا على ذلك، مرتبطا بالبرهان البديهي على ارهاب الدولة العبرية، فان احدا لا يمكنه الا وان يتساءل عما اذا كانت الادارة الاميركية قد وصلت الى حالة من الانتحار القيمي والوقاحة الرهيبة التي تجعلها تتشدق ليل نهار بالحريات ومحاربة انظمة القمع والديكتاتوريات، في حين لا تتورع عن دفع عملائها وادواتها لعمليات ارهابية لا هدف لها الا اخراس الكلمة؟ غير اننا لا نطرح هذا التساؤل الا ونحن نعرف الجواب جيدا حول انهيار القيم وحول الوقاحة، اضافة الى عنصر اخر واضح هو اشتداد ضراوة المعركة بما يعمق المأزق الاميركي من جهة والمأزق العراقي من جهة اخرى، ويسقط اخر اوراق التين عن الجميع.
غير ان الجانب الاخير الذي يظل محيرا هو ذلك السؤال عن البعد الانتحاري، سؤال لا يطاول الولايات المتحدة فحسب، وانما يمتد الى جماعة فيلق بدر ومن ورائهم ايران نفسها، اذ ان تصعيدا اجراميا كهذا لن يكون من شأنه الا تاجيج نار لن يكون البدريون بمنأى عن جوعها، ولن يكون لتوسع انتشارها الا وان يهدد ايران نفسها، في حين ان بمقدور الدولة الفارسية ان تضبط صنائعها، لاجلهم ولاجلها على الاقل.. انه اللعب بالنار، واي نار!!