لا ادري لماذا جعلتني مسارات الضجة الاعلامية حول القاضي ميليس اتذكر الفنان المرحوم شوشو!! انظر الى التلفزيون واتخيل فقط كيف كان لشوشو ان يقدم القضية على المسرح… ياخذني الخيال اكثر وانتبه الى ان اسم شوشو مكون من سؤالين متكررين ( باللهجة اللبنانية) وكانه يسال عن “الحقيقة!!” والى ان اسم مسرحه كان يوما: “المسرح الوطني” واكثر من ذلك، كان اسمه الحقيقي: حسن علاء الدين، فهل من مفارقة اغرب من معادلة هذه الاسماء مع ما يحصل في لبنان وسوريا اليوم ؟؟ يقولون ان التحليل السياسي المنطقي لكل حدث يبدأ من: من المستفيد؟ وانطلاقا من هذا السؤال حاول الكثيرون قراءة اغتيال الرئيس الحريري.، ومن تعمق في الاجابة اكثر فوجىء بان اية اشارة للمستفيدين الحقيقيين لم ترد في التحقيق : فلا شك ان المستفيد الاول هو الولايات المتحدة واجهزتها التي كشفت الفضيحة امس انها تكتب باسم بعض الصحافيين العراقيين مقالات تمجد الوجود الاميركي في الخارج لقاء ثمن قد يبلغ المئتي دولار (وربما يكون من حسنات ذلك ان هذا الثمن هو اعلى مما تدفعه بعض الاجهزة العربية لكتابها المأجورين) غير ان المهم هنا ان احدا لم يسال : ترى كم تدفع اميركا بالاصالة او بانابة اصحاب المليارات من عرب ولبنانيين لبعض كتاب الصحافة اللبنانية، ولا شك ايضا ان المستفيد الثاني هو اسرائيل، لا من باب نظرية المؤامرة بل من باب معادلة منطقية بسيطة تقول انه في كل حالات العداء الوجودي كما الحال بيننا وبين اسرائيل، فلا مجال الا لحكمة ابي الطيب المتنبي في ان ” مصائب قوم عند قوم فوائد ” واما المستفيد الثالث، فهو بعض الجهات اللبنانية التي جاء اغتيال الحريري بمثابة انبوبة الاوكسيجين لها، فاعاد لها الحياة وخرجت من كهوفها كما فاتح الاندلس….لتعود الى مواقع لم تعد تحلم بتبوئها.مستغلة في ذلك الوضع الدولي والاقليمي الناشىء وسذاجة سعد الحريري الذي اعتقد ان كل ما عليه، لتثبيت نفسه وحماية مصالحه، هو فتح خزائن والده على مصراعيها ويظل ان هناك مستفيدا رابعا، ربما افاد من الوضع، وهو جناح معين داخل الاجهزة السورية، سمحت له الفرصة السانحة بالتخلص من خصومه في لعبة الصراع الداخلي الدائرة.
هؤلاء كلهم، شدني خيال الفكاهة، وشوقي الى الكتابة المسرحية، الى تخيل كيف كان شوشو سيقدمهم على المسرح. واذ وضعت نفسي مكانه، وجدت ان افضل طريقة لصياغة عمل مسرحي حول هذه التركيبة، هو عمل يحتل فيه الشاهدان : الصدّيق والمقّنع دور البطولة، ووراءهما القاضي الالماني الوسيم متنقلا بين يخت رجل الاعمال الشريك للحريري، وطائرة هذا الاخير الخاصة، في جلسة ترفيه تلي كل جلسة تحقيق…. واذا ما اردت مسرحة العمل اكثر مما كان شوشو يفعل، فان ثمة امرا يحير : هل من المناسب اعطاء ميليس دور المخرج والممثل معا ام انه مجرد مساعد مخرج ينفذ ما يكلف به دون تدخل في الخطة الاخراجية، حتى اذا انتهى الى الفشل او النجاح، اخذ المقسوم وذهب ليؤتى بسواه ! اما في سينوغرافيا العرض، فلا شك ان الدلالة توحي بأن يلبس جميع الممثلين – لا الشاهد وحده- اقنعة تتلاءم والصورة المرسومة، وحبذا لو رفع كل منهم، من وقت لوقت طرف قناعه لحظة وبشكل جزئي صغير،ومد لسانه للجمهور.بينما تصرف البعض بردة فعل مرعوبة على محاولة رفع القناع.