وانتصر ساركوزي، ونجح وزير الداخلية الفرنسي في تمرير الترجمة القانونية للمخطط الصهيوني الاميركي، في البرلمان الفرنسي.
ساركوزي اليهودي، المعروف بتأييده للسياسة الاميركية، ولاسرائيل، الوزير الذي استهل مسيرته على طريق المعركة الرئاسية القادمة بزيارة واشنطن، والاجتماع بالايباك قبل البيت الابيض ليحصل على البركة التي جعلت بوش يستقبله كرئيس لا كوزير.
لتكون الزيارة الثانية الى اسرائيل للمشاركة في مؤتمر هرتزليا، ومن ثم من جديد الى الولايات المتحدة الاميركية، قبل ان يعود الى فرنسا ويفرض نفسه على رأس اليمين المعتدل رغم المعارضة الشديدة لجاك شيراك، ولابنه الروحي دومينيك دو فيللوبان.
لم يكن هذا الدعم لساركوزي دعما مجانيا، ولا لمجرد انه يهودي، او يميني او ..او … بل لانه مندرج اندراجا كليا في الاستراتيجية الاميركية الصهيونية، ولانه ملتزم بالخط الاوروبي الذي يدعو الى الالتحاق بالمحور الاميركي البريطاني الذي يتماهى مع المحور الصهيوني.
هذه الاستراتيجية، وهذا الخط تمثلا منذ نهاية الثمانينات، في الدعوة الملحة الى اعتماد قوانين تحد من الحريات الثلاث وتؤمن تشديد المراقبة على كل من يمكن ان يخشى تاييده للقضايا التي تتناقض مع المخططات الاميركية الاسرائيلية.
ولعل افضل عرض موثق لهذه الاستراتيجية هو الكتاب الذي اصدره بنيامين نتنياهو عام 1995 بعنوان” امن وسلام استئصال الارهاب” ليعود فيؤكد على ما ورد فيه ويجدد تطبيقاته بناء على المرحلة، في خطاب القاه امام الكونغرس بعد احداث 11 ايلول.
في هذا الكتاب يقول نتنياهو ان معظم المشاركين في المؤتمر الاول لمكافحة الارهاب الذي دعت اليه اسرائيل عام، 1988 كانوا معارضين لموضوع تعديل القوانين لتحديد الحريات (عقد المؤتمر اثر حادثة مطار عينتبي، التي قادها ايهودا باراك العمالي وقضى فيها شقيق نتنياهو الليكودي) بينما تحول معظم هؤلاء الى مؤيدين لذلك في المؤتمر الثاني الذي عقد بعد سنتين في الولايات المتحدة، ويعيد ذلك التحول بالتفصيل الى الخطة الاعلامية والديبلوماسية التي اعتمدتها اسرائيل خلال الفترة الفاصلة.
( كان من بين هؤلاء المشاركين، جورج شولتز وزير الخارجية الاميركي، وسيمون فيل رئيسة البرلمان الاوروبي، وليونيل جوسبان الذي اصبح رئسا لوزراء فرنسا الخ …) وطبيعي ان يتنامى هذا التأييد بعد احداث ايلول واحتلال العراق وغزو افغانستان وسائر التطورات.
وعندما جاء دور اوروبا لتبني هذه القوانين المحددة للحريات، والمجيزة للرقابة على الناس، تضافرت ثلاثة عوامل على تمهيد الطريق لذلك: العامل الاول هو العمليات الارهابية التي لا ندري كيف رتبت هنا وهناك في القارة العجوز، والاضطرابات الطائفية والعرقية كما حصل في فرنسا، من قضية الحجاب الى قضية احداث الضواحي، دون ان يخفى على احد دور ساركوزي (ومن وراءه طبعا ) في اشعال النار وصب الزيت عليها، في كلتا القضيتين (وقد كتبت عن كل ذلك بالتفصيل في حينه) في حين ان العامل الثاني هو واقع الحال الاجتماعي في اوروبا، حيث تعاني الضواحي المهاجرة من مشاكل اجتماعية مزمنة تسير من التهميش الى البطالة الى المخدرات الى المافيات الخ… في حين يعاني المواطنون الاصليون ايضا من احساس بالخوف من الخطر يعززه حرص كبير على المكتسبات الاجتماعية التي ينعم بها المواطن ، ويخشى من تناقصها ( وذلك ما يفسر استجابة الدول الاسكندينافية اولا ، لفرض القوانين المذكورة) اما العامل الثالث فهو تلك الموجة العالمية من الشحن الطائفي والديني التي تضع البشر كلهم في خط صدام الاديان والحضارات، مما يعزز العاملين السابقين ويتعزز بهما بدوره، لان التعصب والعنف والظلامية هي ضو الفقر والتخلف والظلم والكبت، كما انها وليدة الجهل المتبادل.
هذا يستطيع المخطط اليهودي الاميركي ان يمر في ظل مكان، وهكذا استطاع ساركوزي ان يمرر قوانينه امس في البرلمان باكثرية غير متوقعة لتنص احدى فقراتها على سبيل المثال على حق مراقبة الوافدين، خاصة اولئك القادمين من بلدان فيها قواعد ارهابية. وعندما يكون تعريف الارهاب عائما كما هو الحال الان، فان الدول التي تضم قواعد ارهابية تصبح كل دولة تضم من يعارض السياسة الغربية او الاحتلال او الهيمنة، ويتساوى فيها الارهابيون الحقيقيون الذين قد يعمل كثير منهم لصالح الموساد والسي اي ايه (وذاك ما اثبتته وثائق عتم عليها الاعلام الخاضع لمراكز قوى معروفة) مع المقاومين الحقيقيين الذين يذودون بدمهم عن كرامة ومستقبل شعوبهم.