” ميديا ار اميريكان ” ( medias are americain s) هذا الشعار هو ما يعتبر في الاوساط الغربية كمثل معادلة ان الماء مكون من هيدروجين واوكسيجين، يردده اساتذة كليات الاعلام ويفرضونه على طلابهم، ويكرره الباحثون في هذا المجال. ليترجمه الكثيرون بانه نتيجة الليبرالية الاميركية، وما تحمله من قيم الحرية. لكن ثمة شعار اخر معروف ايضا في الاوساط الاعلامية والسياسية وهو: ان الحرب الفيتنامية قد انتهت امام شاشات التلفزيون الاميركي.
تدقيق بسيط في هذين الشعارين، تشدنا اليه فضيحة انشاء وحدة عسكرية اميركية في العراق مهمتها كتابة المواضيع الصحفية ونشرها في وسائل اعلام عراقية وباسماء عراقيين لقاء مبالغ قد تصل الى مئتي دولار.
في المقولة الاولى، صحيح ان تطور الميديا قد ارتبط بالولايات المتحدة الاميركية بشكل اساسي، وتحديدا بالجيش الاميركي، فمنذ ما قبل الحرب العالمية الاولى انشات وزارة الدفاع الاميركية ثلاث وكالات مهمتها القيام بمهام الحرب النفسية، الاعلامية، وعندما انتهت الحرب حلت هذه الوكالات لاستراحة بسيطة، ان هي الا استراحة المحارب، وتشكلت من جديد، باسماء جديدة، ولكن بالاشخاص نفسهم، منها وكالة المخابرات المركزية السي اي ايه، ومنها وكالة الاذاعة والتلفزيون، وكلفت بمهمة مواجهة اساسية في الحرب الباردة، ليتركز نشاطها بشكل رئيسي في منطقة الشرق الاوسط،.وذاك ما اكده واوضحه المنظر الاساسي لهذه المرحلة ليرنر عام 1958 في كتابه الشهير: ” نزع المجتمعات التقليدية – تغيير الشرق الاوسط “،، وذاك كمحصلة لعملية استطلاعية كبرى شارك فيها الاف الباحثين والمحققين ومالئو الاستطلاعات في العالم العربي وتركيا
لم يكن ليرنر ابدا متحفظا في كتابه الذي اعتبر مانيفستو المرحلة في تحديد اسباب التركيز على الشرق الاوسط: الموقع الستراتيجي – النفط- اسرائيل – والحركات الثورية ( هذه الاخيرة استبدلت اليوم بالحركات الاسلامية ) وتطبيقا لذلك تركز الجهد الاستخباراتي الاميركي على الاعلام منذ تلك الفترة، وعندما اجريت المراجعة الضروروية بعد سنوات تبين ان اهم اسباب الفشل هو كون التوجه الاعلامي كان مباشرا، وباسمه الاجنبي، مما قاد الى النتيجة الحتمية، وهي ان البديل المؤمن للنجاح هي ان تقال الرسالة الاعلامية العربية بلسان عربي وفي وسائل عربية . ولا باس ان تتم الرشوة مباشرة او عن طريق اجهزة عربية.وعندما جاءت حروب الخليج الثلاثة، كان التحوير والتوجيه والكذب والشحن الاعلامي ادواتها الرئيسة. فاي غرابة ما يحصل في العراق اليوم
ننتقل الى المقولة الثانية المتعلقة بحرب فييتنام، وهي لا تحتاج الى شرح كبير، فمن المعروف ان الراي العالم الاميركي لا يتحمل رؤية جثث ابنائه تعود اليه، ولكن ما يجب ان يقال حقا، هو انه لو لم ترسل ارض الفييتنام الى الولايات المتحدة صور خسارات معاركها وجثث ابنائها، لما تحرك الاميركي عن كرسيه المتحرك المتمدد، ولما افلت دلو الشاي المثلج وكيس الشيبس من يده، ليخرج الى الشارع. ولذا فان المعركة الاعلامية النفسية التي تستاجر، لتمريرها، هذه الاسماء العراقية ( ومثلها كثير من العربية المعروفة حتى ولو لم يعلن عنها ) لن تهدف الا الى شيء واحد: الحرب النفسية لتقليل الخسارات، وتوفير اعداد القتلى وليس لنا ان نستهين بها فهي حصيلة خبرة قرن كامل من الحرب النفسية، بل ان علينا ان نتحشد لمواجهتها كاعلاميين بذات المهنية والعلم والذكاء وكقراء بكل الحذر والتمحيص وكلانا بالوعي السياسي لمصالح بلادنا!