ماذا يعني الاحتفال اليوم باستقلال لبنان ؟ اهو الاستقلال عن الارادات الاجنبية ؟ وهي التي لم تكن يوما فعّالة كما هي اليوم ام هو الاستقلال عن الانتداب الفرنسي وها هي فرنسا تتحول من الام الحنون للمسيحيين الى الام الحنون لسنّة الحريري ودروز وليد جنبلاط، واذا باريس المقر الرسمي لتسعين بالمئة من مسؤولي الدولة والسياسة اللبنانيين اهو الاستقلال الحقيقي المترجم لارادة الامة ام التنفيذ الواقعي لما رسمه على الورق جورج بيكو ومارك سايكس، تنفيذ لم يكن يهدف الا الى تحقيق ما كتبه على الورق اللورد بلفور، كما الى الحفاظ على امكانيات الهيمنة الغربية على المنطقة ولم هذه الاسئلة اهي عملية عودة الى التاريخ هربا من مواجهة الحاضر ام هي عملية القاء المسؤوليات على التجزئة هربا من معالجة القضايا الاخرى لا هذا ولا ذاك، ان هي الا عملية قراءة عملية واعية للعلة الاساسية الكامنة في اساس كل ما نحن فيه الان، دون انكار العلل الاخرى. فالمعادلة البسيطة هي التالية : ثمة مشروع صهيوني استعماري غربي – بشقيه الاوروبي والاميركي – وثمة حالة مقاومة لهذا المشروع، تتفجر مسلحة حيث يكون الاحتلال مباشرا وعسكريا، وتتفجر سياسية ثقافية حيث يكون الاحتلال مقنّعا غير مباشر اذ يسلك طريق السياسة والاقتصاد والثقافة. ولناخذ الحالتين كلا على حدة، ففي الاولى كانت الوسيلة المثلى لخنق المقاومة المسلحة ( التي تتضمن حكما الاشكال الاخرى ) هي اعتماد المنطق الكياني المترجم بمنطق السيادة، وكلاهما يستند الى دعوى الاستقلال، فالمقاومة الفلسطينية خنقت مرات ومرات باسم انها تعمل على غير ارضها وتتدخل في الشؤون الداخلية للاخرين ( وللامانة والموضوعية لم تكن بعض فصائلها بمنجى عن هذا المنطق ) كما ان الطريقة المثلى لخنق المقاومة اللبنانية كانت هتافات السيادة التي ادت الى الخروج السوري وتعبر الان الى منطق انه لم تعد بنا حاجة للمقاومة طالما حررنا الجنوب، وصولا الى المقاومةالعراقية، وهي الاكثر ازعاجا في هذه المرحلة، ولا يجهل احد كيف تنصب كل الجهود الان على خنقها من الخارج بتضييق خناق الحدود ومن الداخل بعملية تفتيت يسمونها اللعبة السياسية، في عمليتين يتوازن ايقاعهما مع تصاعد ايقاع الدعوات الاميركية للانسحاب. في عام 1989 كتب رئيس الاركان الاسرائيلي يقول : منذ انتهاء الحرب العراقية الايرانية لم يكن يغمض لي جفن الا وحلمت بالدبابات العراقية تنزل الينا من الجولان، فهل يمكن الا يكون الكابوس المزعج الذي يراود رئيس الاركان الاميركي هو شريط مقاومة تمتد من البصرة الى جنوب لبنان مرورا بسوريا مرة اخرى، لا يقع هذا الكلام في باب التمنيات او الاحلام، انه جوهر الصراع الذي يتحسب له الطرف الاخر ولا نتحسب له نحن الاّ بالاذعان، اذعان لواقع لا يجعلنا ندرك مدى خطورة الصراع الذي يدور الان في لبنان، بين خط يرنو الى بعده ودوره القوميون وخط ينقض على فرصة تاريخية يفرض فيها منطقه الانعزالي المتأسرل المغرب،ولم يكن هذا الصراع هو جوهر الحروب الاهلية التي شهدها لبنان منذ قام او اقيم اوليست المعركة الشرسة ضد رئيس الجمهورية احدى تجلياته؟ اوليس مطلب ترسيم الحدود السورية اللبنانية وتبادل السفارات احد احقر واخطر نتائجه؟ اوليست انعاكاسات هذا الصراع الدائر هناك هي بمثابة مبدأ الاواني المستطرقة مع ما يحصل في كل اقطار الامة من فلسطين الى العراق الى سوريا؟ اولسنا اذن بحديثنا عن التجزئة في لب الحاضر والمستقبل، ولب الفارق بينها وبين الاستقلال ؟
د.حياة الحويك عطية
إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.