فجيعة هؤلاء يطلون من على شاشة الجزيرة، يكشفون البساط عن القمامة التي تختبىء تحته، كم من الوقت مضى ونحن نكنس ونخزنها هناك حتى تعفنت وفاحت ؟ ياالهي حلب وسيف الدولة والمتنبي وعاصفة من الفخار والكبر تملا الرئتين، تجعل منهما منطادا يحلق بك انت العربي الى افاق كبرياء امة، كبيرة بابداعها، بعبقرية مبدعيها وقادتها، حلب وسيف الدولة والمتنبي، وعز الثغور التي تتكفل بالذود عن الامة كلها لان ارادة امير عظيم منها كانت بحجم ارادة الامة،ولان صوت شاعر امير تقدم اصوات امراء الابداع يمتطون فرسانهم عبر ساحاتها حلب تكتشف منزل ابي الطيب،وتصيبك النشوة لتسأل حالما اهنا كتب قصيدة الحدث الحمراء ام هنا اتكا حزينا ليرثي خولة الاميرة.. الحب المستحيل ؟ البيت بقية صغيرة من بيت دمّر مرارا مع الغزوات المتعددة التي اصابت مدينة نور الدين زنكي، من الغزوة الصليبية التي استغلت غياب سيف الدولة في الفرات، الى غزوة هولاكو وكلها رياح سوداء سوّت كل شيء رمادا بالارض وكلها قبل ان يطل جواد صلاح الدين فهل لك الحق في ان تقرأ في ذلك رسالة، من امل ؟؟ الحق ؟ ايه؟ والامل ؟ كم انت محتاج لان تكون قديسا او اعمى في ايمانك وتفاؤلك اذ تنقلك الكاميرا الى ساحة مدرسة ثانوية او جامعة، او ربما الاثنتين رهط من شباب، مظهرهم تبدو عليه النعمة، من اولئك الذين يملك اهلهم عادة القدرة على تعليمهم في مدارس راقية، ومن ثم ارسالهم الى الخارج، لاستكمال التخصصات، ليشكلوا اذ يعودون الطبقة الحاكمة في البلد يتأبطون كتبهم، ويسيرون بمرح، ربما كان احد اسبابه المباشرة فرحهم بانهم سيظهرون على شاشة التلفزيون، واي تلفزيون الجزيرة من هو المتنبي؟ اتعرفه ؟ نحن الشباب لا نهتم للشعر الجاهلي، المتنبي كتب شعرا في الغزل لكننا لانفهمه، لا نحبه، هو من بيئة غير بيئتنا، يكرر هذه العبارة مرارا والفاظه غير الفاظنا، لا نحب كثيرا ان نقرأ، اذا اردنا فربما نزار قباني المتنبي لا تنتقل الكاميرا الى الثاني، وشعره حليق على طريقة اليانكي المتنبي ؟ لا انا لا اهتم لان اقرا بالعربية الوالدان عودانا على ان نقرا بعض القصص بالانكليزية، يكفي، المتنبي؟ لا لم اقرا له لكنني اعتقد انه من الجاهلية، لا لا اقرا الشعر العربي، يتقدم الثالث ربما كان المتنبي قد كتب شعرا في الغزل، لا ادري هو شاعر قديم، قال انه نبي ¬ ثلاثة شعراء عرب ؟ اجل اعرف المتنبي امــرؤ القيس وناظم الغزالي ¬ ناظم الغزالي ؟ اجل هو شاعر جاهلي ¬ احفظ لهم شيئا ؟ لا ننتهي من هؤلاء الذين يقرون ببله باسم انهم لا يعرفون، وننتقل الى اثنين اخرين تبدو عليهما هيبة المعرفة، الاول ملتح قليلا نعم اعرف المتنبي، هو شاعر، كتب عن الاسلام، ادعى انه نبي ربما يكون قد مدح الخليفة العباسي، احفظ له شيئا ؟ لا ويأتي دور الطالب الاخير مرفوع الراس، واثق الخطوة يمشي ملكا، بفخر اين منه فخر المتنبي انا طالب حقوق، وطالب الحقوق يجب ان يكون عالما في اللغة بل فقيها لان عليه ان يفقه اللغة وان يمتلك اللغة ويعرف الادب العربي وتاريخه ¬ هل انت عالم في اللغة وادابها ؟ ¬ الحمد لله يقولها بابتسامة معتدة حد الغرور ¬ اذن تعرف المتنبي ؟ ¬ طبعا ¬ من هو شاعر عربي قديم ¬ هل قرأت له ؟ طبعا قرأته كله ؟ ¬ هل تحفظ له شيئا ؟ احفظ اشياء كثيرة، لكن لايحضرني الان شيء منها ¬ حسنا لو قلنا لك بيتا للمتنبي، هل تعرفه ؟ ¬ بالتاكيد ¬ حسنا قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ¬ اجل هذا بيت للمتنبي ¬ هل تستطيع ان تكمله ؟ لا لانني ربما اخطات في شيء صغير ولا اريد ذلك انتهينا من الطلاب، وتذهب الكاميرا الى سيدة واضحة انها اعدت نفسها بشكل استثنائي للكاميرا للصورة اسفل الشاشة يكتب انها كاتبة، وبعربية فصحى تتدث الى المذيع، حوالي اربع دقائق دون ان تقول شيئا لا عن المتنبي ولا عن التعليق على هذه الفجيعة التي ضربتنا بالذهول، رفعت منسوب ضغط الدم ودفعته الى رؤوسنا على امتداد ثلث ساعة، مقدمة لنا لوحة عن واقع يقول ما سيؤول اليه مستقبلنا، وتختم بملاحظة لا ندري سببها وهي القول ان المتنبي ليس وحده ما يجب ان نهتم به وانما اخرون كثيرون، خاصة الف ليلة وليلة التي ترجمها الاجانب.. يجف ريقك، يلتصق اللسان بالحلق، ولا تنفع مداخلة الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين، التي حاولت تحليل اسباب هذه المصيبة الحضارية في بل الريق، بل ان احساس مرا بالاشفاق يتملكك وانت تنظر اليه الى نفسك والى امتك، لتصبح كلك سؤالا واحدا ايهما الاخطر، الاحتلال العسكري، الاستلاب السياسي – الاقتصادي، ام هذا الامحاء الحضاري الثافي؟ وهل يمكن ان ينجح اولئك الا بهذا؟
د.حياة الحويك عطية
إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.