مفارقة ان تأتي قمة المعلومات الاخيرة في تونس، وان تكون ساحة لمعركة بين الولايات المتحدة واوروبا وغيرهما للسيطرة على الانترنت مفارقة لان المعركة الطويلة التي خاضتها دول العالم الثالث مع الولايات المتحدة منذ الستينات وحتى بداية التسعينات حول احادية او تعددية مصادر تدفق المعلومات، كانت من خلال لجنة عرفت باسم نوميك، وكان يتراسها التونسي محمد المصمودي.
وهكذا فان بين تونس المصمودي وتونس اليوم تلك المسافة القائمة بين عالم ثنائي القطبين، تجد بينهما دول العالم الثالث مجالا لجبهة عدم انحياز تشكل بيضة القبان بين كفتي الميزان الغربية والشرقية مسافة سقطت بسقوط جدار برلين، واستكمل كنس ركامها بسقوط العراق ومن ثم منطقة الشرق الاوسط برمتها ليصبح العالم كله مربوطا الى قطب واحد، ومحكوما بميزان ذي كفة واحدة، لا يتحكم احد بمؤشر قرارتها واوزانها حرية تدفق المعلومات، شعار جميل بما انه يبدا بكلمة ليس من شانها الا وان تدغدغ خيال كل البشر، خاصة اولئك الذين لا تعاملهم انظمة القمع والفقر على اساس انهم بشر، لكنه في حقيقة الامر لا يعني الا تحطيم كل السدود والقيود والمصافي والفلاتر التي يمكن لها ان تشكل حماية لاية ثقافة محلية او حفاظا على هويتها او، وذاك هو الاهم، ارساء هذا التدفق على اساس المساواة في حق المصدر بمعنى الا يكون مصدر التدفق واحدا، وان تتساوى الحقوق في تبادل المعلومات والاعلام.
هذان الحقان : حق الحماية وحق التبادل هما اللذان اسست كتلة عدم الانحياز، وعبر اليونسكو، لجنة نوميك لحمايتهما وظل الصراع قائما بين اللجنة المكونة والولايات المتحدة الى ان شكل الغاء اللجنة شرطا اميركيا للعودة الى منظمة اليونسكو بعد حرب الخليج الاولى عام 1991.
ذاك ان الهيمنة الاعلامية، خاصة من حيث احتكار مصدري: تصدير تكنولوجيا الاعلام، وتصدير مادة الاعلام، هي الضمانة الاساسية لتامين الهيمنة السياسية والاقتصادية ولذا كان محور قمة المعلومات الاخيرة في تونس هو تجدد هذا الصراع ولكن مع فارقين بسيطين : الاول هو ان موضوع الصراع هذه المرة هو الانترنت لانه وسيلة الاتصال الجديدة التي يكاد تاثيرها يتجاوز مستقبلا تاثير جميع الوسائل الاخرى التقليدية والثاني ان الصراع الحالي يدور بين الولايات المتحدة واوروبا، حيث اعلنت الاولى في نهاية قمة تونس انها قد ربحت المعركة في حين اعلنت القارة العجوز ان المعركة ما تزال في بداياتها.
ما يلفت النظر هنا، هو غياب اية كتلة لدول العالم الثالث او لشيء اسمه عدم الانحياز لان العالم كله انحاز، كوجه اصابه الفالج الى جهة واحدة كما يلفت النظر كون اوروبا هي التي تحاول اعادة التوازن مع اميركا، في حين نصفق نحن لهيمنة علمية قادمة وعلى ظهرها كل انواع الهيمنات الاخرى، في حالة من الغيبوبة الكلية والانبهار البدائي بكل الة تكنولوجية دون التفكير بامكانية استغلالها لتامين تقاطعين صعبين : الانفتاح على المنجز العالمي والثقافات الاخرى، مع الحفاظ على الهوية والذات والمنظومة القيمية التي تشكلنا.