تخبط

صحيفة الدستور، 17-11-2005

لن تكون هناك اوروبا بعد خمسين سنة اذا لم نتقدم على الصعيد المتوسطي.. هذه العبارة هي للوزير الفرنسي دومينيك ستروس الذي كان يعتبر واحدا من اقوى مرشحي الحزب الاشتراكي لمعركة الرئاسة المقبلة في فرنسا.

كان اطلق تحذيره هذا في المؤتمر الاخير المنعقد حول مشروع برشلونة، حيث كانت اكثر كلمات المتحدثين بمثابة نذير نعي لهذا المشروع. في حين لم تعدم المنابر مدافعين عنه لم تكن حججهم في الواقع قوية بما يكفي، حيث لا تقدم لهم المعطيات الكثير من الحجج.

غير ان اكثر ما يلفت بالنسبة لنا نحن العرب ( اذا ما كان ما يزال هناك معنى لهذا المصطلح) فهو ارقام المساعدات التي قدمتها خطة برشلونة لاعضائها، اذ دلت هذه الارقام على ان اسرائيل وحدها حصدت خمسة واربعين بالمئة من حجم المساعدات التي صرفت في اطار برشلونة مما يعني ان هذا الحلم الذي تمحور حول البحيرة الكبيرة التي تسمى البحر المتوسط والتي تعتبر بحيرة حضارات الالفية الاولى، قد اهمل جميع المتربعين على رمال شواطئها لصالح الدولة المغتصبة التي لم تقم الا منذ نصف قرن، وما يزال لوجودها طبيعة الاحتلال والاغتصاب والاحلال، ما تزال حكوماتها رافضة للانصياع لاي قرار دولي يتعلق بحق الناس الذين حلت محلهم او بحق الدول التي امتد اليها احتلالها.

في حين لم يقم برشلونة على المستوى الاخر الا بتشريح جديد للعالم العربي على اساس فصل الدول المطلة على المتوسط عن الدول العربية الاخرى التي لا تتمتع بنعمة الاغتسال في مياه واحدة مع اوروبا، وعندما وجدت القارة العجوز انها مضطرة لمد اطار اورو – ميد، ليشمل العراق والخليج العربي، لاسباب اقتصادية بحتة، انشات مكتبا خاصا بهذين الجزءين من العالم العربي والحقتهما بايران.

فلماذا انشئ هذا المشروع المتوسطي ؟ لا شك في ان هناك خصوصيات مشتركة بين الحضارات المطلة على المتوسط، ولا شك في ان تفعيل الحوار بينها يصب في خط تفعيل الخط الحضاري الذي يقدم القيم الانسانية على قيمة المادة وايديولوجية المنفعة الاميركية، التي تهدد العالم كله بالتشييء والدمار، وفقا لما كان يقوله شارل ديغول، وما رواه عنه اندريه مالرو في السنديانات السبع. لكن هل اوروبا المتوسطية اليوم هي تلك التي حلم بها ديغول ومالرو ؟ ام هي اوروبا الملحقة بالمشروع الاميركي، مشروع العولمة واقتصاد السوق واعادة القيم الانسانية الى سلة المهملات ؟ وهل نسبة الحصة الاسرائيلية في مشروع برشلونة الا الدليل القاطع على ذلك ؟ هل تحول خطاب الاورومتوسطيين، من خطاب التنمية والحوار الى خطاب الامن ومكافحة الارهاب الى انتصار للايديولوجية الصهيونية، التي انتصرت اولا في اميركا ومن ثم تمتد في سائر العالم ؟ واي امتداد لاوروبا كان يقصده ستروس، اليهودي المؤيد لاسرائيل بقوة ؟ اهو الامتداد على الطريقة الاميركية او بالاحرى البريطانية بما في هذه الاخيرة من اندراج تحت الابط الاميركي ؟ ام هو التوازن، ولو الجزئي في تقاسم النفوذ وبذا تفهم اكثر سياسة فرنسا واوروبا فيما يتعلق بسوريا ولبنان؟ اجل، لن تكون هناك اوروبا، اذا ما استمرت القارة العجوز في التخبط في سياستها العربية، اذا لم تعد الى فهم المعادلة الديغولية في انتهاج التوازن والاستقلالية.

 

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون