انقاذا للجميع !!

صحيفة الدستور، 07-11-2005

بين خطاب دومينيك دو فيللوبان في مجلس الامن عام 2003 وخطاب دوست بلازي قبل يومين، مساحة البعد بين حلم فرنسا باستقلالية اوروبية قائمة على المبادىء والمصالح الواعية، وبين اذعان فرنسا لخط الارتماء في ذيل التنورة الاميركية، بحسب تعبير جان بيير شفينمان عام 1991.

فما اشبه الامس البعيد بالامس القريب وكان الامس المتوسط لم يكن بينهما الا لحظة انتباه عابرة. فامس ميتران خلال عاصفة الصحراء هو امس شيراك والقرار 1936 وكأن امس شيراك عام 2003 لم يكن.، ذاك انه لا يمكن لنا ان ننسى ان الرجل الذي اعاد الى العالم صورة فولتير وميرابو وهو يقف في قلب المنظمة الدولية مذكرا بالمبادىء، هو هو نفسه اليوم رئيسا لوزارة، ليس الخطاب المهلهل الذي قدمه وزير خارجيتها الا بيانا رسميا باسمها، بيانا لم يحمل الا لغة المندوب السامي على المنطقة الزرقاء من سايكس بيكو.

خطاب لم يتضمن جملة واحدة عن سوريا وانما دار كله حول لبنان، واضعا هذا البلد في اطار محمية فرنسية، في محاولة لا يغيب عن لبيب انها محاولة لاستعادةموقع ما في المنطقة التي انزلقت بالكامل الى الجيب الاميركي.محاولة لم تلبث كونداليزا رايس ان خرجت تفشلها بشكل ساحق وكامل.

فلم تكد الجلسة تنفض بعد المطالبة الجماعية بالتعاون مع ميليس، حتى خرجت حتى خرجت الوزيرة الاميركية تقلب الطاولة على راس نفاق الجميع.نفاق القرار بحد ذاته ومطالبته المتعلقة بموت الحريري، ونفاق المتحدثين جميعا المتباكين على رئيس الوزراء اللبناني السابق، كما لم يتباكوا على لبنان كله عندما كانت اشلاؤه تتناثر على فوهات براكين التفجير طوال عشرين عاما.

كنست رايس كل النفاق، لم تتحدث عن لبنان ولا عن الحريري، رفعت الاقنعة وتوجهت الى سوريا معلنة مطالبها باختصار ومباشرة : قالت ان سوريا انما تحاسب على نشاطات تمس الشعب اللبناني، والسلطة الفلسطينية ممثلة بمحمود عباس ( وبالاسم ) وباستقرار العراق، اذن فالمطلوب، وببساطة ووضوح : قمع خط معين يمثل المقاومة، سواء كانت مقاومة اسرائيل ام الاميركيين ( وقد بات التماهي كاملا ) وقمع الخط القومي ايا كان مدى جغرافية قوميته او موقفه الايديولوجي، والدفع باتجاه اللاستسلام لاسرائيل. والا فان رايس تركز على ان الفصل لسابع من ميثاق الامم المتحدة يجعل الامر اجباريا ويضع سوريا اما امام الانصياع او امام العقوبات او امام الحرب.

والان ؟ ما هو المطلوب من السوريين ومن العرب ؟ اهو انتظار السكين كشاة تساق الى الذبح ؟ والشاة هنا كلنا المصطفين على الدور اذلاء امام باب المسلخ. اهو الاكتفاء بخطاب ابدع فيه ا وزير الخارجية السوري في ايصال رسالة بليغة الى العالم ؟ المطلوب امران لا بديل عنهما : فالنظام السوري مطالب بانفتاح سياسي، بعملية مصالحة وطنية، يخلقان عنصر قوة داخلية يمكن بها تحمل المواجهة، انفتاح واصلاح يجعلان المواطن يشعر بان المعركة هي معركته لا معركة النظام وحده، ويقدمان في الوقت ذاته ردا دامغا للعالم بان عملية اصلاح حقيقية تسير في البلاد. اصلاح لا يجوز امامه امران : رفضه بحجة انه مطلوب اميركيا، لا ولا القبول به على الطريقة الاميركية. مع الاعتراف بان المسيرة لن تكون سهلة في واقع جميع التراكمات والتداخلات والتعقيدات الناشئة عن ربع قرن من الاحتقان وعن ظروف اقليمية وقومية بالغة التعقيد.

اما العرب فان عليهم، وأياً تكن توجهاتهم، ان يتحركوا ليقولوا للسوريين : نحن معكم بلا تحفظ ازاء الاجنبي، ونحن معكم، بشرط السير في الاصلاحات ازاء الداخل.

من الذي سيقول ذلك ؟ يسأل المواطن العربي الذي لا يثق بأي من الانظمة القائمة.

ولكن له ان يسأل ايضا : الا تدرك هذه الانظمة بانها ان لم تفعل كنستها العاصفة الى مزبلة التاريخ، ومصيبتنا ان العاصفة هوجاء ومدمرة بحيث تكنسنا جميعا، وجودا وحضارة معها.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون