النيران، اللهب، لم تكن يوما لتقف عند حدود، اذا ما اشتعلت هنا امتدت السنتها الى هناك. ومن ساحات العالم العربي، الى الساحات الاوروبية بدءا بفرنسا. امتداد حذر منه جان بيير شفينمان عام 1991 في مجال تبريره لاستقالته احتجاجا على الموقف الفرنسي في الحرب ضد العراق. كان الاستراتيجي الفرنسي الرؤيوي يستقيل حبا ببلاده وخوفا عليها لا تضامنا معنا وذاك حقه وواجبه. لكأنه كان يرى، بعينين لا تحتاجان عيني زرقاء اليمامة، السنة اللهب تعبر المتوسط الى ضفته الغربية وهذا ما قاله هو بالحرف. وها نحن نرى ذلك على شاشات التلفزيونات اليوم لنسال : لماذا ؟ ولمصلحة من ؟ اجتماعيا لا شك في ان اوضاع المهاجرين في اوروبا بائسة، ولاتخلق الا الاحباط والكبت، الذين يصبح من السهل تفجيرهما باي اتجاه. ولكن السؤال الاهم هو لماذا جاء هؤلاء الى هنا ؟ ما الذي حول اوطاننا الى اوطان طاردة ؟ ولماذا يعيشون في هذه الحال المتردية رغم مرور عقود على تواجدهم ؟ اسئلة قد تتلخص في كلمتين فقط : القمع والفقر،حالتان لم تكن اوروبا والان الغرب كله ببريئة من ترسخهما في بلادنا. ولكن استمرارهما مرتبط باستمرار حالات المصادرة والاحتلالات والافقار والاذلال، مما يقتضي بالتالي القضاء على اية حالة مقاومة والالتفاف على اية احتمالية لدعمها سواء على الساحات الوطنية او على ساحات الاغتراب. من هنا فان الاجابة عن السؤال الاخير المتعلق بالمستفيد من اشعال نار الفتنة، تصب في ثلاث خانات هي اكبر لكثير من مجرد اضطرابات ضواح، خانات انما هي محددات المشروع الدولي لليهودية العالمية المتماهية مع سياسات المحافظين الجدد واللوبي الصناعي- العسكري : الخانة الاولى هي تثبيت المفهوم الهنتنغتوني لصراع الحضارات والاديان الذي لا يستفيد منه الا اصحاب المخطط المذكور والذي يصبح فيه المشروع الصهيوني والفوقية الانعزالية اليهودية امرا طبيعيا منطقيا.
اما الخانة الثانية فتقع في حيز الصاق تهمة الارهاب بكل من هو عربي ومسلم او من يتعاطف مع هؤلاء، والنتيجة العملية التطبيقية هي ان السياسات التي تتخذ طابع مكافحة الارهاب تصبح وسيلة لمكافحة أي دعم للمقاومة، على اختلاف اشكالها واختلاف ساحاتها، وقد راينا قبل اسابيع كيف استغل فيلم الاكشن الملفق الذي بثه التلفزيون الفرنسي ومعه مقابلة مع نيقولا ساركوزي، لتوجيه تهمة الارهاب الملصقة بمسلمي فرنسا باتجاه العراق وسوريا، حيث ركز على ان هؤلاء ” الارهابيين ” انما يتجهون الى العراق وعبر سوريا.
وفي سبيل تشريع ذلك وضمانه يأتي التوجه الاوروبي الذي قادته بريطانيا في بروكسل قبل شهر، ويقوده ساركوزي في فرنسا الان، باعتماد تشريعات تصادر الحريات العامة وتضع الناس تحت المراقبة الكلية : هواتفهم، بريدهم الاكتروني، سياراتهم، وكل تحركاتهم. في توجه قمعي لا يمكننا ان ننسى تفاخر بنيامين نتنياهو في كتابه : ” استئصال الارهاب ” الصادر عام 1995، بان اسرائيل هي من تدعو اليه بالحاح. ويذكر بالتفاصيل كيف عمل مع موشي ارينز، استاذه وابيه الروحي، على اقناع الاميركيين بهذه الفكرة، عندما كان الاخير سفيرا في الولايات المتحة الاميركية، وكان نتنياهو مساعدا له. وكيف نجحت اسرائيل في عقد اول مؤتمر لمكافحة الارهاب في تل ابيب في نهاية الثمانيات، بحضور شخصيات اميركية واوروبية. ولم يتوقف نتياهو عن اصراره على ضرورة تحديد الحريات، حيث كرس هذه المطالبة في خطابه امام الكونغرس بعد الحادي عشر من سبتمبر. هذا التوجه هوالذي يترجمه قانون ساركوزي الذي يطرح الان ولا يمكن الا يربط عاقل بين عملية تمريره وبين اثارة العنف مع ومن طرف عرب فرنسا ومسلميها. اما الخانة الثالثة، وهي الاكثر عملية واجرائية فانما هي خانة المعركة الرئاسية الفرنسية التي يخوضها ساركوزي باستشراس قوي مدعوما من اللوبي اليهودي ومن انصار الامركة، ويستغل وضعه كوزير للداخلية لخدمتها. وهنا يبرز الصراع بين خطين واضحين : خط الاستقلالية الاميركية عن الولايات المتحدة الاميركية، والذي يترجم منذ شارل ديغول بسياسة التوازن ازاء قضايا المنطقة العربية والصراع العربي الاسرائيلي، مما افرز الموقف المعارض للعدوان على العراق، وبين خط الامركة والاسرلة الذي يمثله الوزير بدون تحفظ.