سقط عن عرشه، ليتبدى شاهد زور متامر على الناس والوطن، والشهيد الحي انكشف امره كمدبر شهادة زور. فما ان اعتقلت السلطات الفرنسية المجند السوري محمد زهير الصدّيق، الذي قالوا لنا انه ضابط معارض للنظام السوري، خرج محتجا ليكشف الحقائق حول اغتيال الرئيس الحريري، حتى اسرع مروان حماده الى العاصمة الفرنسية مثيرا حوله عاصفة من التساؤلات. افادة محمد زهير الصدّيق كانت الاساس الذي اعتمد عليه مليس في قراره باعتقال القادة الامنيين اللبنانيين الاربعة، حيث قال الرجل انه كان مكلفا من قبل الاجهزة الامنية السورية بالتنسيق معهم لعملية اغتيال الحريري، وادلى بتفاصيل مفادها انه رتب لهم اجتماعا في الضاحية الجنوبية من بيروت، وبالتحديد في شقة تقع في حي معوض، المعروف بخضوعه الكامل لسيطرة حزب الله اللبناني، ومن ثم في شقته هو في خلده. كما اضاف بان الضباط الاربعة قاموا بمشاركة ضباط سوريين بقياس عرض الطريق امام فندق السان جورج. شارل ايوب، رئيس تحرير جريدة الديار والذي تم زج اسمه في التحقيق، واستدعاؤه، خرج في حينها على شاشة التلفزيون ليؤكد ان صحيفته قامت بتقصي الامر، عبر صحفييها،وعبر شقيق الصديق نفسه وتأكد لها ان الرجل كاذب وليس ما فعله الا من باب تضليل التحقيق. غير ان احدا لم يلق الى ذلك سبيلا.وبالامس جاءت السلطات الفرنسية لتكشف المستور وتخلق ازمتين : الازمة الاولى هي ازمة المحقق الدولي، ميليس، حيث ان هذه الواقعة قد نسفت تحقيقه كله، وعليه الان ان يعيد جميع حساباته. في حين ان الازمة الثانية والاكثر حرجا وصعوبة هي ازمة الاطراف اللبنانية التي لفت الفضيحة الحبل حول مصداقيتها، ورمت الشكوك حول تآمرها المفضوح. فالصديق جاء من سوريا الى لبنان وسكن في منطقة الشوف، وما قول شارل ايوب بان تحقيقات جريدته انصبت على منطقة بعقلين الا ذات دلالة كبيرة، يدركها ببساطة كل من تابع استشراس جماعة جنبلاط ومروان حماده في اتهام سوريا والحكم اللبناني، بشكل لم يبده آل الحريري انفسهم، كذلك فان مسارعة حماده الى باريس امس، لم تخف على احد، خاصة وانه من البديهي ان لبنان سيطلب تسلم الصديق، وان القوانين الدولية تفرض ذلك.
السؤال الآخر، ذو الدلالة ايضا، هو : من الذي مول هذا الجندي السوري المعدم ليأتي الى اوروبا ويسكن في افخم فنادق مدريد وجنيف وباريس، منذ ادلائه بشهادته ؟ وبمن كان الرجل يستقوي ليتصل بوسائل الاعلام اللبنانية مهددا، عندما شككت تلك الوسائل بمصداقية شهادته ؟ لكن،ثمة سؤال اخير، اعمق من ذلك كله : أهو الحرص على الحقيقة ما دفع السلطات الفرنسية لكشف التزوير ؟ ام ان هناك صفقة ما جرت على رأس هذا الخائن الكذوب والغبي؟