لم اعد اذكر اسمه، لكنه “عكنن” علي قهوة الصباح. هل من يصدق ان الشعر يتناقض مع القهوة هو الذي من المفترض انه يضيف اليها نكهة الهال وزهر الليمون. الشاعر الانيق الذي لا يتقن لفظ القاف فاذا هي شيء هجين بين القاف والكاف، يطل علينا من شاشة احدى الفضائيات العربية ليخبرنا عن اهمية الفيديو كليب في توصيل الشعر الى الجمهور.
وعن علاقة هذا التطور بالحداثة.. اجل هي الحداثة وليدق ادونيس وانسي الحاج وشوقي بزيع وكل شعراء لبنان ومن ورائهم امثالهم العرب راسهم بالحيط، طالما انهم لم يكتشفوا بعد الفيديو كليب. ثم ان هذا اللبنان المتنطنط على فوهة بركان الدمار الاهلي، وهذا العالم العربي المتمخطر بين الاحتلالات على اختلاف انواعها واشكالها، وبين الموت تفجيرا او جوعا اوسوء تغذية او بردا، لا يحتاج الى شيء الا الى الفيديو كليب وطالما انه قد توفر فنحن والحمد لله بالف خير.
وما علينا – طالما ان الدنيا رمضان – وطالما ان البرنامج المذكور هو بمناسبة الشهر الفضيل- الا ان نصلي لله عز وجل ليديم علينا نعمة الفيديو كليب، ولينعم علينا بتطور حداثوي يمكن من تحويل ابداعنا الشعري والروائي الى فيديو كليب.
فاية روعة ان تؤدي هيفاء وهبي مثلا قصائد محمود درويش او نانسي عجرم بدر شاكر السياب!
واي بؤس وانحسار يصيب الجواهري ان لم تصور قصائده فيديو كليب ! واذا كان ثمة من يمكن ان يقول ان الفيديو كليب نفسه يمكن ان يبنى ويصور بطرق مختلفة تتوقف على رؤية الذي ينجزه، فان ذلك هو اخر ما كان يفكر به هذا الشاعر الفذ، المعتمد في الوصول على الفيديو كليب، بدليل ان قصيدته التي منحته الفضائية المصرية دقائق طويلة ليلقيها لم تكن بارقى من فيديو كليب هايف، تمثلت نهايته بان الرجل قد قرر ان
يبيع الوطن لان امراة قد افردت له وطنا في زاوية من زوايا قلبها، ولم نستطع ان نتصل لنساله كم عدد الزوايا الاخرى وهل هي من فئة الخمس نجوم ام اقل؟ ولعل من المفارقات االتراجيكوميدية انني اكتب اليوم عن هذه الظاهرة وقد كتبت الاسبوع الماضي وفي نفس الزاوية عن ديوان الشاعر العراقي حميد سعيد : ” من وردة الكتابة الى غابة الرماد”، عنوان الهمني عنوانا لمقالتي: “من غابة الرماد الى حراسة النار”،
كنت اوجه رسالة الى حميد والى جميع المبدعين بان قدرهم الخطير الان هو السهر على حراسة نار روح الامة في عصر مطر الرماد، في عصر الاشباه في كل شيء: اشباه الشعراء، واشباه المبدعين واشباه السياسيين، واشباه الرجال واشباه النساء.. اشباه يراد لاولادنا ان يتعودوا على وجودهم ويتبعوهم. لكي يتحقق ما هو اخطر من الاحتلال، الانحلال الكلي الذي يضرب جهاز المناعة في جسد الامة ويلغي عناصر قدرتها على المقاومة.
فهل المعركة التي علينا ان نخوضها ضد التفاهة والتسطح باسل من تلك التي يخوضها المقاومون بالسلاح ؟