تركيا وحملة الاطباق!

صحيفة الدستور، 04-10-2005

اليوم تبدا مفاوضات ضم تركيا الى الوحدة الاوروبية. الجو العام يشير الى ان القضية صعبة ومعقدة. و بين الخطين : المتشدد في رفض الضم والمتشدد في الدعوة اليه، تقف النمسا موقفا وسطا، مدروسا ومبرمجا، ربما بالتوافق مع الجميع. النمسا تطرح بديل الشريك ذي الافضلية، مما يعني عمليا تمتع انقره بجميع حقوق اعضاء المجموعة الاوروبية الاخرين، ما عدا الوحدة السياسية. فماذا يعني هذا الطرح ؟ وما هي انعكاسات غلبة أي من التيارات الثلاثة والاهم اين تقع مصلحتنا نحن العرب في كل ذلك؟ الجمهور الاوروبي لا يخفي رفضه لانضمام تركيا، ولكل اسبابه : المتمسكون بمسيحية اوروبا يرفضون فتح الحدود مع بلد مسلم بحجم تركيا، والعلمانيون الذين لا يهتمون لذلك يرفضون ان تصبح اوروبا على تماس حدودي مباشر مع العراق وسوريا وايران، واللوبي الارمني يريد استغلال العملية لجر اسطمبول الى الاعتراف بمسؤوليتها عن مجازر الارمن، مع ما يستتبعه ذلك من تعويضات مادية قد تصل المطالبة باراضي مما يسمونه ارمينيا التاريخية.كذلك فان اللوبي القبرصي ووراءه اليونان يصرون على ضرورة اعتراف تركيا بالجمهورية القبرصية، وهم في ذلك مدعومون بمنطق صلب : فكيف تريد تركيا الانضمام الى مجموعة لا تعترف باحدى دولها ؟ واخيرا هناك الاكراد وتجمعاتهم في اوروبا، يضغطون بكل ما اوتوا من علاقات كي لا يحصل الانضمام الا بعد الاعتراف بحقوق الاقليات، والالتزام الكامل بمبادىء حقوق الانسان.

بشكل مواز لكل هؤلاء، وربما بضمير مستتر وراء كل هؤلاء، يسري الموقف الاميركي والاسرائيلي محركا القوى التابعة له في اوروبا. ومصلحة كل من هذين اكبر من تسمح له بالاهمال : فرهان الولايات المتحدة على تركيا، خاصة موقعها الجيوستراتيجي هو رهان جوهري في منطقة الشرق الاوسط. ولن تهددها الخسارة اذا ما اصبحت تركيا الاطلسية عضوا في اوروبا اطلسية تابعة للولايات المتحدة الاميركية مندرجة في ستراتيجيتها. لكن الخطر يصبح محتوما اذا ما اندمجت تركيا في وحدة اوروبية تنتهج سياسة الاستقلالية عن الولايات المتحدة. وبما ان هذا الامر هو مستبعد في الوقت الحالي، لكنه غير مستبعد على المدى البعيد، فان الحل الامثل لواشنطن واتباعها هو تمديد المفاوضات لسنين طويلة، او الدخول في حالة وسطية غائمة عائمة، الى ان تنجلي الامور. اما اسرائيل فان لها مصلحة في دخول تركيا التي ترتبط معها بمعاهدة تعاون ستراتيجي الى الدائرة الاوروبية، لكنها تخشى ايضا من اية انقلابات في السياسة التركية كما حصل في بعض الفترات السابقة. غير ان العلمانية المطلوبة اوروبيا قد تساعد في ابعاد شبح الانقلابات المذكورة. من جهة اخرى يأتي توسع اوروبا باتجاه الشرق الاوسط، واحتضانها لدولة غير مسيحية الثقافة، ليعزز من فرص انضمام الدولة اليهودية الى القارة الموحدة، وتمتعها بالحماية الاوروبية اكثر فاكثر. مما يشكل رديفا للحماية الاميركية، وبديلا عنها في حال انهيار الامبراطورية يوما ما.

والنتيجة ان تركيا تدق بالحاح مستميت على باب اوروبا، وخلف هذا الباب يقف الجميع حاملين صحونهم لغرف مكاسب خاصة من العرس المطلوب، الا نحن العرب الذين لديهم الكثير مما يساومون عليه في هذه اللعبة، واقله الجاليات العربية في اوروبا.

 

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون