مطلوب راسه!

صحيفة الدستور، 03-10-2005

الى اين سيؤدي بنا هذا السجال الحاد الدائر بين المملكة العربية السعودية واعضاء الحكومة العراقية الحالية من الشيعة ؟ فبعد تصريح الامير سعود الفيصل قبل ايام، يأتي تصريح بيان جبر امس وكانه يهدد المملكة، من جهة، ويهدد العالم بانفصالية شيعية عراقية من جهة اخرى.

لا بد من التمييز بين مستويين لمعالجة هذا الموضوع الخطير : المستوى النظري والمستوى الواقعي. فعلى المستوى النظري : كل خطاب طائفي مدان وتجزيئي، كل خطاب طائفي يضرب حقوق المواطن القائمة على كونه مواطنا وكفى، وبالتالي يتناقض مع بنية الدولة والمجتمع الصحيتين الحديثتين. ولذلك فان هذا الخطاب مرفوض سواء صدر عن هذا الطرف او ذاك، وسواء كان شيعيا، سنيا، مارونيا، ارثوذكسيا، قبطيا، الخ….وبالقياس الحتمي المنطقي نكمل التعداد فنقول يهوديا وبالتالي ندين ونرفض الصهيونية القائمة على خطاب ديني. ندينها لا لانها احتلت ارضنا فحسب وانما كفكر وايديولوجيا وخطاب. وبذا يقوم التقويض الحقيقي لاسس دولة اسرائيل ووجودها كما تعرف نفسها ” دولة اليهود”.

من هنا تصبح محاربة المفهوم الذي يربط المواطنة وحقوقها بالدين، اساسا في محاربة المشروع الصهيوني، ليس على ارض العرب فحسب وانما على سائر ساحات العالم.

وبالقياس العكسي، يصبح تأسيس الحق الوطني على فكر ديني امرا يصب في صميم المشروع المذكور وفي صالح دولة اسرائيل.

اما على المستوى الواقعي، فان علينا ان نعترف ان ثمة حسا طائفيا قائما على الساحات العربية، يرتدي في كل بقعة شكلا مختلفا عن الاخرى. وهو حس تضافر على تنميته عاملان : المخططات الاجنبية الاستعمارية من جهة، وعوامل التخلف الذاتية التي نجمت اما عن ظروف تاريخية او عن تخلف مجتمعاتنا عن ارساء مفهوم الدولة الحديثة.

وهكذا نرى مناطق شيعية في العربية السعودية مظلومة بالمقارنة مع المناطق السنية الوهابية، ونرى مناطق مسيحية في لبنان تختلف في سياق حياتها عن المناطق الدرزية، ونرى شيعة البحرين يعانون من اضطهاد تاريخي يجعلهم اكثر فارسية منهم عربا، الى اخر المعزوفة… غير ان ثمة مسافة ضوئية بين الاقرار بواقع الحال لتصحيحه ومعالجته والانتقال منه الى الحال الصحيح. وبين الاقرار به لاستغلاله لتدمير الوطن وتشريح جثته على طاولة المخططات الاستعمارية : بريطانية فرنسية، بالامس، اميركية صهيونية اليوم. تصريحات الفيصل هي من باب التنبه لخطر داهم، اما تصريحات بيان جبر فهي من باب تنفيذ دور مبرمج ومطلوب، ومرسوم في الخطة التي من اجلها قام الاحتلال. وثمة فارق كبير بين الاثنتين. فارق يعززه واقع العراق كدولة موحدة وقوية، لا يزايد فيها احد على احد في تضحيات المواطنة، والحرب العراقية الايرانية خير دليل. بل ان الدليل الاقوى هو العودة الى قائمة اوراق اللعب التي نشرها الاحتلال الاميركي والقى القبض على المطلوبين فيها فاذا بينهم خمسة وثلاثون شيعيا مقابل خمسة عشر سنيا. تصنيف لم يكن لينتبه له احد، ببساطة لان هؤلاء الناس لم يكونوا ليطرحوا انفسهم وفق التعريف الطائفي وانما وفق انتمائهم السياسي، وهذا هو الطرح الذي يراد له ان يزول.

 

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون