اهو من قبيل النكتة المرة، ام من باب الصلف الاسرائيلي المعهود، ام امر اخر يستحق التوقف لقراءة اكثر تمعنا؟
ان يرد ارييل شارون على دعوة توني بيلير لزيارة اسرائيل بالقول ساخرا: لقد سمعت ان السجون البريطانية غير مريحة، لامر يستحق اكثر من وقفة عابرة.
كان شارون يقصد بذلك الاشارة الى اضطرار الجنرال الاسرائيلي دورن الموغ الى عدم مغادرة الطائرة التي اقلته من اسرائيل الى لندن، والعودة من حيث اتى كي لا يتعرض للاعتقال بسبب الدعوى القضائية التي رفعتها ضده منظمات حقوق الانسان الفلسطينية مع منظمة اسرائيلية سلمية، بتهمة ارتكاب جرائم ضد المدنيين وبالتالي ضد الانسانية في غزة.
والقراءة البسيطة اليومية للصحافة الغربية وتعليقاتها على هذه العبارة تقود الى جواب يتبنى الجزء الاخير من السؤال المطروح في البداية. فالامر يستحق التوقف فعلا ولاسباب كثيرة، اولها ان مجرد حصول القضية المذكورة طرح في حينه الجدل حول الموضوع في جميع وسائل الاعلام، وبالتاكيد في الدوائر السياسية، وطرح مع هذا الجدل اسماء كثيرة غير اسم الجنرال المذكور : اسماء جنرالات وضباط من الجيش الاسرائيلي متهمين او يمكن ان يطالهم الاتهام، واسماء شهداء شكلوا اهدافا للعمليات المعنية، واسماء حوادث الاعتداءات التي تشكل موضوع قتل المدنيين عدنا تقرا ونسمع الحديث عن جنين عن قنبلة وزنها طن دمرت موقعا سكنيا كي تقتل صلاح شحاده، عن الجنرال موشي يعلون كمتهم بجرائم ضد المدنيين وضد الانسانية، مما اضطره الى الغاء سفرة كانت مقررة الى بريطانيا. باختصار، اسماء تعني امرين : احياء ذاكرة الماساة الفلسطينية والاجرام الاسرائيلي، ووضع اسرائيل في موقع الاتهام، ولا باس اذا ما ادى ذلك الى ادانة قضائية ام لا.
هنا يصب الامر في صميم زعزعة قاعدتين اساسييتين من قواعد الستراتيجية السياسية الاعلامية السيكولوجية الاسرائيلية وهما : محو الذاكرة ووضع اسرائيل في موقع الدفاع عن النفس، حتى وهي ترتكب افظع الجرائم، بل وبما يبرر تلك الجرائم.
اما الامر الثالث المهم في الحراك الاعلامي حول اثارة القضية في المحاكم البريطانية بالذات، فهي ان اسرائيل قد اضطرت، كي تدافع عن نفسها، ان تهاجم بريطانيا متهمة اياها بالنفاق والخبث، اذ تقبل بادانة العسكريين الاسرائيليين بنفس الممارسات التي يمارسها جنود صاحبة الجلالة في العراق. وهنا يصيب السهم عصفورين بحجر واحد : اعتراف ضمني، ولو غير مقصود بالتهمة، وسحبها على المسلك العسكري البريطاني في العراق.
وتبقى ملاحظة رابعة وهي ان الرد الذكي الوحيد الذي يجده المنحازون لاسرائيل في الغرب هو الحديث المطول عن دور منظمات حقوق الانسان الاسرائيلية، ومعارضتها لسن قانون يمنعها من التعرض لتعديات تمارس بحق الفلسطينيين، وفي هذا مكسب اخر هو وضع هذه المنظمات نفسها في موقع المضطر الى فضح الممارسات الاسرائيلية.
كل ذلك يقول في الخلاصة بان رمي حجر واحد في المستنقع الاسن من شانه ان يحرك دوائر لا اول لها ولا اخر. لكن علينا ان نتذكر انها دوائر لاتلبث ان تتوقف اذا ما لم يبادر الى رمي اخر واخر..
كما يقول حقيقة مرة وهي انه كلما اتسعت امامنا فرص التحرك على ساحات الراي العام الدولي، كلما سارعت حكوماتنا العربية الى سد المنافذ واحكام الطوق وتقديم التنازلات…