هل كان حطاب السيد حسن نصرالله وحديثه الى العربية تسديدا لفاتورة استبعاد حزب الله من لائحة الاتهام الموجهة الى القادة الامنيين في عملية اعتيال الرئيس الحريري ؟_وهل سنشهد موقفا مشابها من سوريا ومن رئيس الجمهورية العماد اميل لحود ؟_ هل كانت عبارة ” حتى الان” التي اردف بها ميليس تصريحه بانه لا دلائل على تورط سوريا ورئيس الجمهورية وحزب الله في الجريمة، هي بمثابة منح الفرصة لتنفيذ المطلوب….. والا…؟_الذلك بدا وجها الرئيس لحود والسيد نصرالله بالغي التجهم في اليوم الاول لاعتقال القادة الامنيين، ومن ثم اكثر انفراجا في اليوم التالي ؟_هل كان هؤلاء القادة كبش الفداء، كما هي العادة. تلصق بهم التهم فيتحقق بذلك امران : _ الاول تبرئة اسرائيل واميركا واجهزتهما وعملاؤهما في لبنان من تهمة الاغتيال، والثاني احكام الطوق حول عنق سوريا وحزب الله ورئيس الجمهورية، مما يجعلهم جميعا يقدمون التنازلات المطلوبة على صعيدين اساسيين : العراق ونزع سلاح المقاومة اللبنانية.
التنازلان قدمهما نصرالله امس : فقد قال في حديثة للعربية انه مستعد لنزع سلاح حزب الله بعد تحرير كامل التراب اللبناني وبضمانات غير اميركية، وهذا موقف قد لا يخمل جديدا الا في جزئه الثاني.
اما في موضوع العراق الذي كان الموضوع الاساسي في خطابه – كما قال هو بالحرف – فقد حاول السيد توظيف كل قدراته الفقهية والبلاغية لاخراج الموضوع بشكل منطقي ومقبول : بدءا من الاستشهاد بائمة السنة للدلالة على اهمية الامام موسى الكاظم، واستمرارا في التاكيد على وجوب تجنب الفتنة بين السنة والشيعة. ولكن…. وصولا الى ادانة المقاومة العراقية المسلحة، وقتل المدنيين، واتهام المقاومين بانهم فريقين : جنرالات الصداميين الذين يريدون العودة بالبلاد الى الحكم السابق، وعملاء الاميركيين، بل انه اقام ربطا وثيقا بين الاثنين، دون ان يذكر بكلمة واحدة المقاومة الحقيقية من جهة، او دور الموساد الاسرائيلي من جهة اخرى. وفي الخط الاسلامي ركز هجوما مطولا شرسا على جماعة التكفير والهجرة، مغفلا جميع الفصائل الاخرى، بحيث بدا وكأن المقاومة العراقية كلها تكفيريين مجرمين ومتواطئين قتلة ومراوغين. كذلك عمد الى تبرير التروي والانتظار قبل اتخاذ موقف من الاحتلال، واعتماد المقاومة السلمية، والى شن الهجوم الشديد على مقاطعة الانتخابات. _عمليا، تبنى نصرالله جميع العناوين التي يسوقها الاحتلال الاميركي، ووقف منصاعا بحرفية وراء خط السيستاني، وسوَق بحماس المطلب الاميركي الحالي والملح أي مشاركة العراقيين في الاستقتاء على الدستور العراقي الاميركي، مشاركة لم يكن مناخ الخطاب كله ليشكل دعوة الى ان تكون مشاركة الرفض والاحتجاج.خاصة وانه لم يذكر بكلمة واحدة، رفض الفدرالية او مخاطر تقسيم العراق.هكذا سدد الامين العام فاتورة ثمن راس حزبه. براس العراق. _واذا كان ثمة اسئلة تطرح نفسها من مثل من الذي كان وراء الصفقة الواضحة، ايران ام اوروبا ام عائلة الحريري التي وجه لها زعيم حزب الله الشكر صراحة، ومعروف ان المقصود بالعائلة هو سعد الدين الحريري الموجود في باريس ؟ ام زعماء وسفراء اخرون ؟ قان اهم ما في الموضوع ان هذه المجريات تؤكد على التحليل الذي سقناه منذ بداية عملية التوقيفات، وتوقيتها، بان المقصود من كل ما يجري هو العراق، وتحديدا تمرير الدستور الاميركي، وما يتلوه من عملية التقسيم.
عملية لا ترفضها ايران، وربما لا تبدو مقيتة بالنسبة للعقلية الشيعية، خاصة اذا كان ثمنها مكسب شيعي اخر، او الخلاص من تهديد اخر.
ليظل الدرس ان العقلية الطائفية لا يمكن ان تفرز خطا صحيحا، حتى وان صح فيه جزء. وان كل ارتباط بما هو خارج الامة لا يمكن ان يصب في مصلحتها، واخيرا ان الوضع القومي العام المهترىء والمتداعي لا يمكن ان يدفع الناس، حتى افضلهم، الاَ الى مواقف ضعف وتراجع وتنازلات.