فضاء المدينة جميل هذا الصباح. وصديق يكتب لي عن البوذية، ليقارنها بالكونفوشية.. هل ما زلنا نملك فعلا ترف التفكير بشيء غير الموت؟
ورائحة الفناء التي تفوح من بيروت الى بغداد؟ والغبار.. الغبار الذي يراد لاثارته ان تحجب كل شيء ؟ لكأن بالوناته كانت محفوظة في الدرج، بعناية فائقة، ليصار الى اخراجها في اللحظة المناسبة التي يراد فيها حجب الرؤية.
لم تكن نوايا ميليس ومن يحرك عمله مجهولة، في بيروت. لم يهتد فجاة الى ادانة القادة الامنيين. لم يتقرر اعتباطا توقيت اعتقالهم واثارة الضجة التي تثار حولهم.
لم تكن ابدا مجريات التحقيق هي التي حددت توقيت اثارة العاصفة، فالذين وقتوها هم الذين وقتوا اغتيال الرئيس الحريري.
لم تكن المفاوضات حول اعتراف باكستان باسرائيل وليدة الامس ، ولم يتحدد صدفة موعد الاعلان عن اقامة العلاقات بين الدولة العبرية والقوة النووية الاسلامية الوحيدة .
لم ينتقل اعصار كاترينا الى جسر الائمة بمحض الصدفة، ليحصد الف عراقي شيعي في لحظة واحدة بينما القوات الاميركية تتابع عملياتها ضد المقاومين.
لم يات صدفة اعلان القاعدة عن مسؤوليتها عن عملية لندن باثر رجعي. وشائعات مسؤوليتها عن كارثة الائمة، وما يكفي ليس قليلا ولا معقولا : انه تقسيم اكبر واغنى واعرق دولة عربية. انه انهاء المنطقة، حاضرا ومستقبلا ، بانهاء الجدار الاستنادي الاساسي لما يسمى العالم العربي. من صدور الدستور الى تهيئة اجواء الاستفتاء عليه . يجب ان يصاب الشيعة بكارثة استثنائية ، لتتعمق عندهم فكرة الانفصال ، ولكي يقترعوا لصالح الدستور الاميركي ، وكي لا تعود لاصوات الوطنيين منهم قدرة على الوصول الى اذان يصمها العويل.
يجب ان يصبح سوط الاتهام الدولي مسلطا على جميع الرؤوس في سوريا ولبنان كي لا يتجرا احد، او لايجد فرصة للاعتراض على شيء مما يحصل في فلسطين او العراق.
يجب ان يترسخ التيئيس بفقدان اي امل في بعد اسلامي ، تركي او باكستاني ، وان تتهيا الاجواء النفسية للقادم من تطبيع مع دول عربية، قائم وجاهز ويوفر الاعلان عنه لحين الحاجة.
يجب ان يصل الغبار والضجيج حد الجنون لانه بغير هذا الجنون ، لا يتحقق ما يكفي من الصمم والعمى والخرس والرعب ، من الغبار النووي الذي تمرر تحته الكارثة العظمى في تاريخنا الحديث.