حتى من باب حفظ ماء الوجه، لا يخرج علينا مسؤول عراقي في الحكومة الموالية للاحتلال الاميركي، ليحدثنا عن الدستور العراقي الجديد. بل ان من يخرج هو السفير الاميركي، وزلماي خليل زاده ليس اي سفير، انه واحد من مؤسسي تيار المحتفظين الجدد في الولايات المتحدة.
في بروكسل قال لي مسؤول اوروبي قبل شهرين ان الاوروبيين اصيبوا بخيبة امل من محادثاتهم مع العراقيين، ليس لان الاجابات على عروضهم جاءت سلبية بل لانه لم تكن هناك اجابات على الاطلاق. ويومها ابتسمت مستغربة وسالت الرجل الذي يشغل مدير مكتب العراق وايران والخليج في الاورو- ميد ( الاورو متوسطي ): وهل كنتم تعتقدون حقا ان بامكان هؤلاء ان يجيبوكم على اي شيء قبل الرجوع للاميركيين؟
تصدر الفير زاده للحديث عن الدستور ليس بخارج عن هذا السياق، وهو امر لا يحتاج الى تسويد مساحات من التحليل السياسي، لكن امورا كثيرة تجعل المرء يتوقف بمرارة هنا وفي مقدمتها ان نشرة الاخبار التي يتصدرها بوش ثم زاده بشان العراق هي نفسها النشرة التي تحمل خبر ان ايران ترفض الاستمرار في مناقشة ملفها النووي مع الاوروبيين والاميركيين وتريد ادماج اسيا في العملية.
قبل هذا بيومين كان الرئيس الاوزباكستاني يعلن في وسائل الاعلام، اقفال القواعد الاميركية في بلاده، والرابط قوي بين الحدثين، فالتجرؤ الايراني والاوزباكي يستندان الى قرار واحد هو البيان الختامي لمؤتمر مجموعة تشنغهاي الذي حضرته ايران للمرة الاولى بصفة مراقب. ومجموعة تشنغهاي هي المجموعة التي تتزعمها روسيا والصين وتضم عددا من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.
مطالب البيان الختامي هذا سلمتها بكين لكونداليزا رايس خلال زيارتها للصين بعد اسبوع واحد. ولم تكن التليينات في الملف الكوري ببعيدة عن هذا الجو.
الولايات المتحدة التي تتراجع اذن على اكثر من ساحة، لكنها تؤكد سيطرتها من على ساحتنا. تكسرنا، تفتتنا خيوطا تنسج منها سوطا تضرب به العالم الذي يهددها. لم نعد مجرد معتدى عليه يتلقى الضرب بل اصبحنا العصاة التي يضرب بها عدونا خصومه او من يهددون هيمنته الاحادية.
وكي نكون كذلك لا بد من التجزئة، لا بد من تفتيت الدولة الاكبر، التي تشكل التهديد الاقوى للمشروع الاميركي الصهيوني، ومن ثم جعل تفتيتها نموذجا لجميع الدول العربية الاخرى.
رهان صعب: اما ان ينجح المخطط، وتسحق المقاومة، واما ان تتمكن هذه الاخيرة من افشاله، وفي الحالين هو مصير العالم كله الذي سيتقرر!!