في التاريخ تجارب كثيرة اتجهت فيها دول او مقاطعات او ولايات صغيرة لتشكل اتحادا ومن ثم وحدة تجعل منها دولة اقوى. ولعل ابرز مثال على هذا التوجه تلك التجربة التي تحولت الى قوة اسمها الولايات المتحدة الامريكية. ولعل من مفارقات التاريخ ان هذه القوة هي التي تسعى الان بكل ما اوتيت من قوة عاتية، كونتها نتيجة ذلك التوحيد الى فرض السير باتجاه معكوس تماما على دولة اخرى موحدة منذ ما قبل التوحيد الامريكي بالاف السنين.
الولايات المتحدة خاضت حربها الاشهر في تاريخها تحت اسم حرب الاستقلال، وهو ما عنى في الواقع حرب التوحيد بالقوة بين الولايات، وحرب التحرير من الاحتلال البريطاني.
والولايات المتحدة تخوض حربها الاشهر في تاريخها المعاصر لترسيخ احتلال دولة اخرى، ولفرض التقسيم على هذه الدولة الموحدة، وبالقوة.
وسواء اعطي هذا التقسيم اسماء تجميلية من مثل الفدرالية، او سمي بما يستحقه من اسم، فان نتائجه على الارض ستظل واحدة، واولها اضعاف العراق، ليس فقط على المدى القصير الحالي وانما استبعاد اية فرصة للقوة في المستقبل. انه تفكيك القوة الوحيدة القادرة على الوقوف يوما، ولو بعد مئة عام في وجه القوة الاسرائيلية في المنطقة.
اما ثانيها فهو ان النموذج العراقي سيتحول وبسرعة الى تطبيقات مشابهة على جميع الساحات العربية، من لبنان الى مصر الى السودان الى سوريا، والى سائر دول المشرق والمغرب العربي.
في العام،1916 انجب انتصار الحرب العالمية الاولى معاهدة سايكس بيكو، وفرضها على الارض مع ما تلاها من اتفاقيات واعلانات بشان الخليج ووادي النيل، لتهيأ بذلك الارضية اللازمة لتنفيذ وعد بلفور وقيام اسرائيل.
وفي العام 2005 انجبت حرب الخليج الثالثة، وما تلاها من الاحتلال الامريكي للعراق، بداية مشروع تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، لا ليتم القضاء على اي حلم ولو مستقبلي بالقضاء على الدولة العبرية، فحسب، بل وليفرض على المنطقة تطبيق حلم الشرق اوسطية وفق المشروع الصهيوني الذي يرمي الى تهويد اسرائيل الكبرى بالاقتصاد والسياسة والثقافة، وتحويل الدولة العبرية الى قوة عظمى تحكم العالم انطلاقا من هذه المنطقة الثرية والاستراتيجية بعد ان تخضعها بالكامل لهيمنتها.
رؤية متشائمة مبالغة ؟
نعم ولا.
لا اذا ما تبينا مضمون الخطة الصهيونية على حقيقتها، وتابعنا كل ما يكتبه ويقوله دعاتها منذ النشأة وحتى اخر تصريح او دراسة. ولا اذا ما نظرنا الى واقعنا في المنطقة من خلال النظام الرسمي العربي.
ونعم لان التشاؤم يصح اذا ما اعتبرنا ان شعوب المنطقة قد ماتت وان روح المقاومة هي من نوع تلك النار التي يتم اخمادها بقرارات او بنص دستور تضعه الاحقاد الطائفية والاثنية، والاملاءات الامريكية الصهيونية.
واذا ما نسينا ان تجربة مرور ما يقارب المئة سنة على سايكس بيكو لم تلغ من الحس الشعبي حقيقة الوحدة، ومن ساحة المواجهة ظواهر المقاومة، ومن رؤوس الناس حلم الوحدة.
ساذج من لا يتشاءم على المدى القريب وساذج ايضا و كافر من لا يتفاءل على المدى البعيد.