متعب الجدل السياسي اللبناني الدائر على وسائل الاعلام وفي الدوائر المكشوفة. متعب لا لانه يعمل العقل ويقارع الحجة بالحجة الاقوى بحيث يجعل من الصعب عليك ان تختار موقفا او ان تدافع عن موقفك. بل لانه وعلى العكس من ذلك نموذج في النفاق والكذب والسطحية. نفاق يبلغ من الوقاحة حدا يشعرك بالتقزز اذا كنت تفهم حقيقة اللعبة.
الجدل لا يتحدث الا عن المعادلات الداخلية، في حين ان مضمون الازمة وعنصر الحسم فيها ابعد من يكون امرا داخليا.
الازمة والصراع القائمان الان ليسا الا امتدادا عاديا لما كان خلال الحرب الاهلية اللبنانية، وخلال الاحتلال الاسرائيلي، مع فارق وحيد هو ان الفرقاء كانوا يقولون في حينها انهم يريدون هذا الامر او ذاك، وينتمون الى هذا المعسكر او ذاك، في حين انهم الان يتسترون بامور اخرى داخلية.
كان الطائفيون يجاهرون بانهم يريدون التقسيم على اساس طائفي وبانهم يريدون التعامل مع اسرائيل، وبانهم لا يريدون للبنان بعدا عربيا، وكان الخط المقابل يقو ل انه يريد بعدا قوميا ويريد تحرير فلسطين ويعارض الانظمة العربية القائمة. وعلى هذه الاسس من المتناقضات وصل الصراع حد المواجهة المسلحة.
اما الان فان الجميع يتحدث عن امور لا علاقة لها بجوهر الصراع، يكذب ويعرف انه يكذب، لدرجة انك ترى نائبا من نواب قرنة شهوان على التلفزيون يحاور نائبا من حركة امل، وهو يتسلى مبتسما ساخرا كمن يريد ايقاع الاخر والتفرج عليه، كما ترى نوابا ونشطاء سياسيين اخرين يتحدثون لساعات وساعات، دون ان تتمكن من التقاط كلمة واحدة ذات معنى او فيها ذرة من صدق. كله يكذب ولا احد يصرح بحقيقة ما في ذهنه وما هو وراء موقفه.
الصراع قائم ببساطة حول الموقف من اسرائيل، وما الموقف من سوريا الا انعكاس لذلك. غير ان احدا لا يذكر اسرائيل. والصراع قائم حول سحب الورقة اللبنانية من الصراع، بسحب سلاح المقاومة، غير ان من يتحدثون عن ذلك يطرحون الامر من منطلق سيادة الدولة، ولا يضيرهم ابدا ان تدار الانتحابات النيابية من السفارة الاميركية.
الحديث يدور عن نشر الجيش في الجنوب والجيش منتشر في الجنوب فعليا حتى على بعد امتار من الشريط الشائك، لكن الحقيقة التي لا يقولها المطالبون هي دور الجيش المنتشر هناك: انصار المقاومة يريدونه دورا مساندا للمقاومة، وهذا طبيعي. ودعاة الانتشار الكذبة يريدونه دورا قامعا لعمل المقاومة، فاصلا بينها وبين اسرائيل ولو بالقوة. اذن لا علاقة للرهان بامن الحدود الجنوبية اللبنانية وانما هو رهان الحدود الشمالية لاسرائيل.
اسرائيل، اسرائيل، والاحتلال الاميركي للعراق ومطلوب من سوريا المساعدة بتخفيف مأزقه، ليخفف مأزقها من لبنان، رهانان يتحدث الجميع عن كل شيء الا عنهما.
وكم من النفاق والكذب لا يحتمل. لكن الغوغاء الشعبية تصدقهما وينميان عندها العقد والتعصب والكراهية.