شيزوفرينيا مميتة!!

صحيفة الدستور، 02-07-2005

تهرب.. الى اين؟

تحاول ان تفهم فتتعب. لا لان الفهم صعب، بل لانه مر.

هل اصبح عليك كلما تلقيت دعوة للمشاركة في فعالية في العالم العربي ان تعمل كمخبر سري لتعرف ما اذا كان من المناسب لك ان تشارك اولا؟

هل اصبح عليك كلما جلست الى جهاز التلفزيون لتشاهد برنامجا يعيد اليك بعض الثقة بمستقبل هذه الامة، او يذكرك ببعض الخير في ماضيها، ان تتوقع ان يحمل اليك ذلك الشريط المتحرك من الكتابة اسفل الشاشة انباء تفقدك ذلك الامل وتنسيك ذاك الخير.

اية شيزوفرينيا يعيشها عالمك العربي هذا، ويجبرك القيمون عليه على الانضمام الى صف المصابين بها.

تهرب من الانفصام، تصر على ان تبقى صادقا مع نفسك، مهما كلفك الامر من خسائر. فينظر اليك البعض على انك هابط من كوكب مخلوقات منقرضة. لكن الماحة خير تلوح فجأة لتقول لك انك لست الخير الوحيد المتبقي، واذا خليت بليت…. هي لم تخل بعد ولن تبلى ابدا.

منذ سنوات طويلة وانا اشارك في فعاليات الحوار بين الحضارات، ومنذ سنوات اقل انضممت الى الفريق العربي للحوار تجسيدا لفكرة اننا نحن، عندما نتوجه لحوار الاخر فانما نتوجه كفريق عربي واحد باطيافه المتعددة. وان ما يحدد كون الاخر اخرا ليس انتماءه الديني وانما الحضاري القومي.

اتلقى دعوة لمؤتمر ينظم في الدوحة، ورغم اعتارضي على فكرة الحوار على اساس اسلامي مسيحي، اعتقد ان المشاركة مهمة لتسويق فكرتنا الاخرى في الفريق. احاول بجهد الحصول على اسماء المشاركين فازود فقط بالمحاور. وبما انني اعرف دورتي الحوار الاسلامي المسيحي السابقتين، اظن ان الثالثة مثلهما. اصل لافاجا اولا بان الحوار توسع ليشمل اليهود. ولكن المفاجاة الكبرى هي في اليهود المشاركين انفسهم: المتحدث الثاني بعد امير قطر في حفل الافتتاح هو رئيس ما يسمى في فرنسا بالكريف، أي المجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا. هذا المجلس هو عمليا الايباك (اللوبي اليهودي) الفرنسي. وهو لم يخف يوما مواقفه المعادية للعرب والمتشددة ازاء قضاياهم. ثم انه يضم جميع المنظمات اليهودية التاريخية الاسوا صهيونية، من البيتار الى حيروت (الامتداد لليكود) الى التجديد اليهودي الخ … مما يحتاج كتابا خاصا.

وهذا الرجل نفسه هو الذي يرئس جلسة الاختتام.. وبين الجلستين حاخامات اميركيون، ورؤساء جمعيات يهودية منها، على سبيل المثال، من يسمون انفسهم جماعة اعادة البناء (مما يعني اعادة بناء الهيكل)

هل يكفي، انني انسحبت من المشاركة؟ انني كتبت؟ وما الذي سيغير الامور؟ فالصحف تنشر ان الامير في كلمة الافتتاح ركز على ثلاث نقاط: كسر الحاجز النفسي الناجم عن تاريخ من الاحداث، تفعيل التفاهم مع اليهود عبر انشاء مؤسسات ثقافية وبحثية مشتركة (ولا شك انها ستكون بتمويل قطري) واخيرا البحث عن حلول للمشكلات القائمة . ثلاثة شعارات تختصر في الشعار الاسرائيلي المعروف: تطبيع قبل التوقيع .

تهرب من الجريدة الى التلفزيون، يعيد اليك وجه بن بيللا وحديثه عن المصالحة الوطنية شيئا من المعنويات، تنظر الى الشريط اسفل الشاشة فاذا الاعلان عن مؤتمر صحافي مباشر حول توقيع اتفاقية تصدير الغاز المصري الى اسرائيل.

كم من الشيزوفرينيا!!

ككم من الاقنعة!! كم علينا ان نواجه ونقاتل لاجل البقا، لاجل شعلة مجوسية نورثها للاجيال القادمة.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون