من سعر الخبز الى الرهان النووي!

صحيفة الدستور، 27-06-2005

قد لا يكون الاوروبيون اقل اهتماما من الايرانيين بنتائج الانتخابات الاخيرة في بلاد فارس. والاسباب كثيرة في مرحلة تتركز فيها رهانات السياسة الدولية على منطقة الشرق الاوسط . قد يكون المواطن الايراني العادي بنى اختياره على خيارات اقتصادية، ففي حين اقترع الاثرياء ودعاة الانفتاح على الاستثمار الاجنبي وعلى الولايات المتحدة الى جانب تاجر الفستق الثري رافسنجاني، اختار البسطاء من قالت عنه سيدة ايرانية لمراسل جريدة لوفيغارو الفرنسية: عندما كان طالبا انخرط في الثورة وقاتل ككل الشباب لاجل الوطن ، وعندما جاء رئيسا لبلدية طهران عبد الطرق، سعى الى تخفيض غلاء المعيشة، لم يسافر على حساب اموال الشعب، لم يثر، راينا بيته على التلفزيون فاذا هو بسيط كبيوتنا، وظل مسلكه شريفا ونظيفا.

غير ان هذا ليس اول ما يهم اوروبا، حتى ولو كانت مسالة الانفتاح تمس طموحاتها الاقتصادية في بلاد النفط. اول ما يهم اوروبا الان هو انعكاس هدا الوضع الجديد على الملف النووي . ويبدو ان هذا الانعكاس لم يكن ببعيد ايضا عن خيارات الايراني المسيس اكثر قليلا من السيدة التي ساقتها لوفيغارو. الرهان النووي اساسي وجذري لانه رهان مستقبل ايران كقوة اقليمية عظمى بعد تطورات السنوات الاخيرة. وهو اساسي ايضا بالنسبة للغرب لانه يعني امكانية امتلاك قوة اسلامية نفطية كبيرة معادية لاسرائيل، سلاحا نوويا.

هدا الامتلاك، ان حصل سيعني امرين: الاول ان الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الاميركية لن يعود اللاعب الوحيد والحر في الشرق الاوسط واسيا، خاصة ان القوة الايرانية تنمو بتحالف وثيق مع روسيا . والثاني ان اسرائيل لن تعود القوة النووية الوحيدة في المنطقة، وبالتالي فلن تستطيع الاستمرار في تجبرها و في تجاهل القانون والحقوق. وبعودة بسيطة الى كتابات وتصريحات الاستراتيجيين الاسرائيليين، من مثل كتاب بنيامين نتنياهو الشهير »امن وسلام، استئصال الارهاب« الصادر قبل عشر سنوات، نرى ان مفهوم الامن والسلام بالنسبة للدولة العبرية يعني اساسا القضاء على اية قوة ممكنة في المنطقة وتحديدا القوة العراقية والايرانية. وفي ذلك الكتاب يضع نتنياهو حدا اقصى للقضاء على القوتين نهاية الالفية مما يعني ان المخطط قد تاخر عمليا ومن هنا الالحاح على الاسراع . الحاح يترجم عمليا بالمهلة القصوى المحددة لحسم الملف النووي وهي نهاية اب المقبل . موعد قريب يجعل الاهتمام يتركز على ما يعنيه انتخاب الرئيس الايراني الجديد بخصوص الملف النووي.

ليس من قبيل الصدفة ان الملف قد اوكل للاوروبيين، فليس السبب الوحيد ان العلاقات الاميركية الايرانية سيئة، بل ان السبب الاهم ان الاميركيين يريدون الابتعاد عن مفاوضات يضطرون فيها الى تقديم ثمن وتنازلات معينة.

البندان الاساسيان اللذان يعتبران عقدة المفاوضات هما مفاعل ناتانز الخاص بتخصيب اليورانيوم و القائم تحت الارض في منطقة تقع على بعد مئتي كلم جنوب طهران. هذا المفاعل ظل امره سريا حنى العام 2002. ومفاعل اصفهان . فايران تملك اليوم مفاعل بوشهر الذي يولد اقل من مئتي راس نووي تسمح لها بتوليد الف ميغاوات من الكهرباء وهي تعبر عن رغبتها في امتلاك عشرين مفاعلا اخر خلال العشرين سنة القادمة لاستعمالها في انتاج الطاقة البديلة. والاوروبيون يقولون انهم لا يصدقون ان بلدا يملك من الاحتياطي النفطي ما تملكه ايران ولديه من الحاجات الاقتصادية ما لديها يخصص جهده لانتاج طاقة بديلة فحسب. لذا يتركز الضغط على الروس كي يسترجعوا النفايات النووية بعد استعمالها الاول كي لا يترك مجال للايرانيين لاستخراج بقايا البلوتونيوم منها واعادة تخصيب الرؤوس النووية به لاغراض عسكرية. كما يتركز الضغط على ايران كي تتخلى عن خطتها للتوصل الى انتاج 50 الف طارد مركزي. ايران قبلت بتخفيض العدد الى خمسمئة، لكن الاوروبيين يصرون على الصفر.

اما قضية مفاعل اصفهان فتتركز على انواع المواد المعالجة فيه والتي يخشى الاوروبيون من امكانية تحويلها الى غاز يمكن استعماله لتخصيب اليورانيوم، ولذا يريدون وقف عمله الحالي .

ولا يحابي الساسة والاعلام في اوروبا في اخفاء عدم ثقتهم بالمفاوض الايراني، كما لا يحابون اطلاقا في الاعتراف بان ما يحركهم اساسا هو الخطر الذي يمثله السلاح الايراني على اسرائيل ، ويستشهدون على صحة مخاوفهم بتجربة ايران في تطوير واطلاق صاروخ شهاب 3 الذي يبلغ مداه 1500 كلم، فيما يعبر عنه احد خبرائهم بقوله: ان تمتلك كل هذه القوة النووية وان تطلق هذا النوع من الصواريخ دون ان تفكر بتزويدها برؤوس نووية لاشبه بمن يشتري رولس رويس ويقتصر غداؤه على البيتزا.

موعد اب قريب، فهل سيقبل الرئيس الجديد المحافظ بمجرد طبق البيتزا الغريب عن المطبخ الايراني العريق؟ وهل سيعيد الرولس رويس الى الكراج؟ ام انه سيصر على موقف قد لا يرضي المفاوض الغربي فترد عليه اسرائيل بغارات تتوقع الصحافة الغربية ان تطال مواقع عادية على غرار ما حصل في سوريا، اذا لم تتمكن من ان تطال مواقع المفاعلات؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون