ان يبدا العد العكسي لا يعني ان تكون ساعة الصفر ليوم غد، فعندما يحصل اقتراح النائب الاميركي لين ولسي، بالانسحاب من العراق على مئة وثلاثة وعشرين صوتا من اصوات الكونغرس ، فان ذلك امر لا يمكن الاستهانة به. صحيح ان الاقتراح قد فشل، وان الكونغرس اقر بدلا منه صرف 49 مليون دولار اضافية جديدة لمصاريف الاحتلال.لكن القطار قد انطلق، وها هي مؤسسة غالوب تنشر استطلاعاتها التي تقول ان ثلاثة ارباع الذين استطلعتهم يؤيدون الانسحاب من العراق، حتى ان 64 بالمئة من الديمقراطيين المحافظين يؤيدون ذلك ايضا. في حين قالت سي ان ان ويو اس تو دي ان 75 بالمئة من الذين استطلعتهم يرون ان الولايات المتحدة غير جديرة بالبقاء في العراق.
لكن، عن أي انسحاب يتحدث هؤلاء؟
اهو الانسحاب الكامل من البلاد، ام هو انسحاب الى القواعد العسكرية الاربعة الضخمة التي بنتها؟
ما من عاقل يعتقد ان اية ادارة اميركية يمكن ان ترمي بكل تضحياتها المالية والبشرية والسياسية في مياه دجلة وتعود من حيث اتت. ولكن ما من قارىء للتاريخ الا ويعرف ان احتلالات كثيرة قد خرجت وتركت كل شيء وراءها من فرنسيي الجزائر الى اميركيي فييتنام. فديغول لم يبدا في الجزائر بنية الانسحاب، والاميركيون انشؤوا في فييتنام جيشا من مليون جندي وقواعد كبيرة، ونفذوا مجازر اكبر من تلك التي نفذت حتى الان في العراق، وعندما صدر القرار السياسي في الحالتين التحق حركيو الجزائر بالفرنسيين وهربوا معهم، والتحق ثلاثة ارباع الجيش الفييتنامي بالثورة او عادوا الى قراهم في حين فر الربع الاخر مع الاميركيين الراحلين من على سطح سفارتهم.
غير ان ذلك القرار السياسي لم يصدر عن اريحية فرنسية او اميركية، وانما كنتيجة لتطور فعل المقاومة، تطور لم يعد بامكان المحتل تحمل فاتورته.
وعندما تنشر الغارديان والواشنطن بوست المعلومات الواردة اعلاه عن الاحتلال، كما تضيف الاولى ان عمليات الاحتلال ضد المقاومة تصاب بخيبة كبرى بدليل ان المقاومة العراقية عادت الى السيطرة على الرمادي والفلوجة بعد الحملات الاميركية وعمليات الحصار والتدمير هناك، فان هذا النشر انما هو او من باب الضغط باتجاه الانسحاب او من باب التمهيد النفسي له، في الوقت الذي تحاول فيه الادارة الاميركية تشكيل قوة محلية بديلة لها، من جهة، واجراء محاولات لما تسميه الحل السياسي، من جهة اخرى. أي القضاء على المقاومة سواء بالقمع او بالتمييع لياتي الانسحاب الى القواعد مترافقا مع ضمانات الوجود الاميركي الذي يحصد المكاسب ويترك للعراقيين من الجهتين تكبد الخسائر.
مخطط لا يمكن تفشيله والوصول يوما الى انسحاب في مصلحة العراق، الا بتصعيد المقاومة وتفعيلها.