كما لم تفضح ابو غريب الا صحيفة اميركية، فها هي الصحافة الاميركية نفسها تفضح امرا اخر اشد خطورة وهو مسألة تصفية العلماء العراقيين. وكلمة الفضيحة هنا امر نسبي، اذ ان ما من احد الا وكان يعرف بامر السجون الاميركية في العراق، لكن احدا لم يكن يريد او يجروء على الكلام. وليس امر العلماء بمختلف، فكم سمعنا عن التصفيات وكم سمعنا عن لائحة نغروبونتي التي تضم الف عالم، لكن احدا في الاعلام او في الطبقة السياسية العربية لم يرد اثارة القضية.

وكما عرفنا من تقرير للخارجية الاميركية ان نسبة الكراهية للولايات المتحدة بلغت في مصر 98 بالمئة من شريحة طالها الاستطلاع، وتدرجت بعدها في الدول العربية الاخرى الى ان تصل في اقل نسبها الى 76 بالمئة، فها هو تقرير اخر للخارجية الاميركية يكشف النقاب عن قصة تصفية العلماء العراقيين، حيث يقول ان قائمة من الف عالم نووي وفيزيائي وكيماوي وفي سائر مجالات العلوم التطبيقية والانسانية قد اعدت على يد الجهات الاميركية، وكانت الخطة الاولى تقضي بالسعي لاستقطاب هؤلاء للعمل على الاراضي الاميركية، فتم استدعاؤهم والتحقيق معهم لتمد لهم جزرة الاغراءات مرة وعصاة التعذيب والتهديد مرة اخرى، غير ان الجهات الاسرائيلية اعترضت على ذلك واعتبرت ان مجرد بقائهم على قيد الحياة هو خطر على امن اسرائيل، ومنذ سبعة اشهر تمكن الاسرائيليون من اقناع البنتاغون بوجهة نظرهم، فشكل هذا الاخير فريقا امنيا لمساعدة فرق الموساد في تنفيذ المهمة. وتوزع العمل بحيث يقوم الاميركيون بتزويد الموساد بالسير الذاتية للمعنيين وبتحركاتهم، وتتكفل عناصر هذا الاخير بالتصفية.

ان هذا الامر اذ يخرج الى العلن فانما يؤكد على امرين : طبيعة الاستهداف المحدد للمشروع الاميركي في العراق. استهداف لا يقتصر على السيطرة على النفط والارض، وانما يعمد ايضا الى تدمير القدرة الحضارية العراقية وبالتالي العربية. قدرة لا يمكن بالتالي الا تعتبر جزءا من القدرة الانسانية، فاين المؤسسات الدولية، واين الصوت العربي في استنهاضها ودفعها الى القيام بدورها؟ الا يمكن لهؤلاء العلماء ان يغذوا الجامعات العربية بما تحتاجه من خبرات؟

اوليس هؤلاء ذخرا في عنق العالم العربي من واجبه حمايتهم؟

اما الامر الثاني فهو ان هؤلاء انما يمثلون حقيقة المشروع العراقي الذي لا يجوز اختصاره بالجانب السياسي بل ولا حتى بمرحلة صدام حسين،رغم ان هذه المرحلة قد خططت بقصدية واعية لتنمية عددهم وقدراتهم.