كثير من الجنون هو ما يلزم لفهم ما يحدث على الساحة اللبنانية. لكن القليل من التعقل هو ما يجعل ذلك الفهم ممكنا.
ثمة من يريد ان يحمي نفسه وثمة من يريد ان يحمي نفسه ومعه الوطن، ثمة من يريد الخروج من السجن وثمة من يريد تفادي السجن، ثمة من يريد طريق بعبدا وثمة من يريد الالتحاق بالقاطرة المؤدية الى هناك. ثمة من يدعي ان منافسه الحقيقي ليس في المعسكر المقابل طائفيا وسياسيا، وانما في داخل معسكره نفسه طالما ان الكعكة موزعة مناطقيا وطائفيا. ثمة من تنبهت عنده احقاد ومخاوف ماضية وثمة من تولد عنده الجديد منها.
كل ذلك لم يكن ممكنا في ظل الغطاء السوري ولكنه صعد الى السطح مع ارتفاع الغطاء.
كل ذلك يجعل اللعبة السياسية اللبنانية ملهاة مأساة لولا ان عاملا واحدا يفرض نفسه على كل المعادلات، الا وهو العامل الاسرائيلي, فقد راينا الصفقة الذكية المربحة قبل يومين: حسن نصرالله يتبنى شعار بشير الجميل: لبنان العشرة الاف واربعمئة كيلومتر، في مقابل اعلان ستريدا جعجع بان لبنان لن يكون الا اخر دولة عربية توقع مع اسرائيل.
نصرالله لم يقل عمليا الا ما فعله قبل سنوات: تحرير كامل التراب اللبناني وتوحيده، وفي حين يبدو ذلك تبنيا لخطاب الجميل لانها عبارته، فان الواقع هو ان هذه العبارة الشعار هي النسف الكامل لجوهر ما قامت عليه الحرب الاهلية طوال سبعة عشر عاما، الا وهي فكرة تقسيم لبنان على اساس طائفي، واذا كان الجميل قد عاد عن فكرة التقسيم الى فكرة الوحدة فعوقب بحياته فان ستريدا جعجع تعود عن فكرة الاسرلة الى فكرة الالتزام بالاخرين ازاء اسرائيل، ربما ثمنا لخروج زوجها من السجن، وفي الحالين ثمة انتصار ولو نسبي للخط الوطني المقاوم ، وارضية ولو نسبية لحماية سلاح المقاومة.
هل سيكفي ذلك لمواجهة مرحلة ما بعد الانتخابات؟ هل سيبعد الكاس الاميركية الاسرائيلية عن الشفة اللبنانية؟ هل سيقلص دور السفارة الاميركية في تسيير شؤون لبنان؟
الاجابات تظل نسبية، ولكن النسبية في حال كهذا هي افضل بكثير من الاطلاقية في الاتجاه الثاني.