اذ يضربني الموت

صحيفة الدستور، 02-06-2005

يضربني الموت فارتطم بجدار تقزم الاستحالة واهوي حتى ابعاد تتوالد ابعادا في فراغ العبث.

اجد، رغم ذلك، لحظة كي اسأل وانا انظر حولي: »لماذا يختلف موتنا؟ لماذا لا يعبأ هؤلاء الساعون من حولي في عاصمة من عواصم الغرب بتكاثر فيروسات الفناء الذي يتفجر على ارضنا؟«.

هل كان يلزمني ان تدخل السكين في شعاب القلب، في اضيق دوائر الخاصر كي اختبر عمليا معنى خبر يتكرر كل يوم، منذ الاف الايام، عن موت عدد.. اجل مجرد عدد رقمي- من الذين لم تلدهم امهاتهم لموت في غير اوانه، على امتداد دوامي من فلسطين، الى لبنان، الى العراق.

الشباب هنا ينشغلون بالتأمينات الاجتماعية الحياتية، والشباب هناك، في بلادي منذورون لغياب اي امان على الحياة، مجرد الحياة.. ابله تعبير الحياة الكريمة، فهل من كرامة لفرد في وطن بلا كرامة؟ وهل من حياة لفرد في وطن ممدد على المشرحة؟

متهمون بالكراهية!! وهل نحن انبياء كي لا نكره؟ مئة الف قتيل في العراق، منذ الاحتلال وحتى الان، وكم من مئات الالاف حولهم في بلاد عرب الموت.. حسبة بسيطة .. وكم من ام، من اخت، من زوج، من ابنة، من عمة ومن خالة في قلبها ما في قلبي من نار تستعصي على التهدئة!

ملايين، لم يشحنوا انفسهم، بل شحنوا رغما عنهم بوقود الكراهية.

فكأنه الثمن البديل لوقود النفط الذي نذبح لاجله.. لكأنه اكسير المشاعر اليهودية التي يريدون ارغامنا على التشبه بها.

ارحمونا من موتنا!

ارحمونا من عدوى الكراهية!

دعونا، فمسيحنا رب محبة، واله رسولنا رحمن رحيم.. لكننا ككل خلقه قادرون على الغضب، قادرون على الحقد، قادرون على الانتقام، ووراءنا امة الفية لن تقبل الا وان تلعننا ان لم نفعل.

ارث علمنا ان نحب الحياة، ان نحب الفرح، ان نحب المحبة .. ان ننام على ركبتين الشعر والفن والادب. ان نغني الاول وننشد للثاني ونتوالد في الثالث .. لكن اوليس ذلك هو الانتصار للحياة على الموت.. او لسنا نحن ككل الناس ابناء الحياة وعشاقها .. فلماذا يراد لنا قدر ينتزعنا من حضنها؟

يضيع موت الخاص، في الموت العام.

اخجل من ان اتألم للاول بشكل مختلف عن الثاني، وكأن من لي اغلى ممن هم لاهلهم. لكنه القلب، ووجع الانسلاخ، امر اكبر من المنطق، ومستعصٍ على التعقل.

يذوب الخاص في العام، وتضربني الخشية على كل من هم مرشحون للضرب.. انظر الى رقعة الخريطة التي اسميها وطني واصرخ: كفى وحذار من امتداد الحريق!

 

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون