الهوية

صحيفة الدستور، 19-05-2005

من نحن؟ هوالسؤال الذي تطرحه الامم على نفسها في مراحل تشكلها او في مراحل ازماتها الوجودية الكبرى . ولعل في ذلك ما يفسر انه كان بالحرف السؤال الذي استهل به مفكر كانطون سعادة نظريته الايديولوجية في النصف الاول من القرن المنصرم ، كما جعله مفكر كهينغتنتون عنوانا لاخر كتبه »من نحن؟ تحديات الهوية الاميركية«.

وراء هذا التشابه اكثر من بعد واكثر من دلالة تلخص جوهر التضاد القائم بين نظرة قومية انسانية ونظرة قومية عنصرية.

فعندما يطرح الاول سؤال من نحن يجيب عليه بمحددات هي برأيه مكونات النحن، وكذلك يفعل الثاني.

المحددات بالنسبة لسعادة هي: الارض ذ الجغرافيا والشعب في تعاقب اجياله. وهنا في هذا التعاقب يكمن العنصر الاهم اذ ان شرط تواصل التفاعل بين الناس والارض هو شرط تشكل خصوصيات الامة التي تمايزها دون ان تميزها، وهذه الخصوصيات هي التي تشكل الخط الحضاري الممتد المستمر. في هذه البوتقة تذوب الاعراق والاديان دونما تمييز لتصبح كلها معا مزيجا واحدا متجانسا، لا تضيره تعدديته بل تغنيه. وعن هذا المفهوم السوسيولوجي ينبثق المفهوم الحقوقي السياسي، اذ يكون الحق قائما على فكرة حق المواطن، يتساوى فيه كل مواطن بما هو كذلك.

اذا كانت ميزة هذه الرؤية انها تطرح مفهوما للقومية، هو غير ذلك الذي طرحته اوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر فذاك لانها ذ اي الرؤية، هي مدخل السلام الاجتماعي داخل الاوطان، ومن ثم السلام العالمي.

كانت القارة العجوز تبني مفهوم القوميات على الاعراق، فيتسبب لها ذلك في حربين عالميتين تدمران العالم كله. وكانت تتبنى مفهوم الحق الديني فتعيش عشرات السنين من الحروب الدينية الرهيبة في شراستها ودمويتها. الى ان خرجت الى مفهوم العقد الاجتماعي او مفهوم الوطنية المركبة.

من هنا نعبر الى محددات الهوية بنظر هنتنغتون، لنفاجأ بانها تتلخص في ثلاث : العرق الابيض، الديانة البروتستانتية، والثقافة الانكلوساكسونية.

واذا به يعيدنا مئات السنين الى الوراء، والى رؤية تناقضية تقع في اساس نظريته الشهيرة حول صدام الحضارات. لانه اذ يحدد الهوية بهذا الشكل يعتبر ان الوسيلة الوحيدة للحفاظ على تماسك حالة كهذه هي استمرار وجود العدو الخطر. هذا البعبع الذي سقط مع سقوط الاتحاد السوفييتي، وجعل الانتلجنسيا الاميركية تبحث عنه في عصابات المادلين ونيكاراغوا لتكتشف ان ايا منها لا تصلح لملء الفراغ. الى ان عثرت على ضالتها في الاصولية الاسلامية.

اذن، وبناء على هذا المنطلق يكون في صميم مصلحة اميركا ان يتنامى التطرف الاصولي باكثر اشكاله تخلفا، وان يفعّل التعبير عن العداء لكل ما هو غربي او مسيحي او اخر.. اي اخر! كذلك يكون في صميم تلك المصلحة ان تتعمق على جميع الساحات وبالاخص على ساحات الدول العربية والاسلامية، شروخ الفرز الاتني والديني والمذهبي ، وان تصل هذه الشعوب الى تبني تعريف هويتها على اساس المحددات الهنتنغتونية.

لكن الا يرى المدقق ان هذا التكريس لا يصب في النهاية القصوى في المصلحة الاميركية نفسها؟

الا نرى انه لا يصب الا في مصلحة الصهيونية التي تعرف نفسها بهذا الشكل العنصري؟

الا نرى اننا نحن العرب اكثر المتضررين من تعريف الهوية على هذا الاساس، خاصة عندما لا يكون هذا التعريف مجرد كلام منظرين على الورق، وانما واقع يتكرس على الارض من لبنان الى المغرب والى مصر والى العراق والى السودان؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون