صورة كونداليزا رايس بالسترة والقبعة الواقيتين، وتفاصيل معارك القائم والعبيدي، تكفيان للدلالة على مدى المازق الذي يعيشه الامريكيون في العراق. لكن ذلك لا يعني من زاوية اخرى ان التحرير قادم غدا، وان السيناريوهات التي ترسم الان ليست خطيرة فالمعركة شرسة وطويلة والامريكيون سينسحبون لانهم يريدون ان ينسحبوا فخطتهم التي كانت تراهن على الانتخابات هي الانسحاب من المدن الى القواعد العسكرية التي بنوها، وترك العراقيين المتعاملين معهم يتدبرون امر المقاومة المسلحة. لكن المأزق الحقيقي يكمن هنا. فهذه الاخيرة تتصاعد وتتبلور بشكل يجعل من المستحيل على الحكومة التابعة للامريكيين والشرطة التابعة لها ان تتكفلا بامر المقاومة، وبذا تجبر القوات الامريكية على البقاء في الساحة والتدخل المباشر. وكل من قرأ الصحف الاجنبية حول تفاصيل معارك الشوارع الاخيرة يتبين مدى الرعب لذي يصيب الجنود الامريكيين، عندما يستغرقهم الامر ثلاثة ايام مع تدخل الدبابات والطائرات، لاقتحام بيت في العبيدي، حتى اذا اقتحموه لم يجدوا فيه الا جثتين، في حين نجح الاخرون بالانسحاب. لتعلق صاندي تايمز على ذلك بانه لو اتيح للعراقيين ان يقاتلوا كذلك عند الاجتياح لما سقطت بغداد.
بذا تصبح اعمال المقاومة استدراجا صعبا الى الفخ وتمريغا في المستنقع. لذا فان محاولات يائسة تبرز الى الساحة سواء على لسان رايس نفسها ام على لسان مندوبيها من العراقيين: لهجة لينة مع السنة، بل وحتى مع البعثيين، وشد للصف الكردي، وبرمجة مدروسة بعناية للحرب الاعلامية النفسية.
كانت رايس بحاجة الى ان تأتي الى العراق لتكتشف ان السنة لا يشتركون في لجنة صياغة الدستور الا باثنين، ولينفطر قلبها وحسها بالعدالة على ذلك.
وكان الجعفري بحاجة اليها كي يبدي تراجعا اخويا عن منطق الاجتثاث، ويطلق دعوات رهبانية الى المصالحة الوطنية.
هذا في الوقت الذي يتم فيه تسريب اخبار عن ارتفاع مستوى تعاون المواطنين في عمليات الابلاغ عن المقاومين. وعن استعداد الكثيرين من البعثيين والسنة للتعاون مع الحكومة والامريكيين.
كل ذلك طبيعي كادوات في معركة، لكنه ايضا تعبير عن المأزق الصعب، حيث كانت خطة الامريكيين تقوم على الانسحاب الى القواعد بعد الانتخابات.
اذن فما الذي ستلجأ اليه الادارة الامريكية؟
ثمة مراجع عارفة تؤكد ان الامريكيين سيلجأون الى خيار الجيش، فيعرضون على قيادات في الجيش العراقي المنحل تسلم السلطة والتكفل بشأن المقاومة. وهي تأكيدات قد تبدو منطقية، خاصة وان الفصائل القوية في المقاومة هي تلك التي تديرها وتفعلها عناصر الجيش نفسه
تحليل قد تدعمه دعوة رايس الاسترضائية خلال الزيارة الى صرف رواتب التقاعد لعناصر الجيش المسرحة.
لكن: هل سينفذ العسكريون ما رفضه المدنيون؟ ام انه نفق لن تجد امريكا وحكومتها في نهايته ضوءا