الشريط الذي كان حدوديا بين الفيتنامين، الساحة التي شهدت اعنف معارك في تاريخ الحرب الفيتنامية، معارك تكبد فيها ثوار الفيتكونغ اكبر خسائرهم، يتحول الان الى »اوتوستراد هوشي منه«. حيث قررت السلطات الفيتنامية تحويله الى طريق عريض يربط بين شطري فيتنام السابقين، والى منطقة سياحية تضم متحف الحرب التي تقول الوثائق الغربية اليوم ان ما سقط فيها على فيتنام من القنابل خلال ثلاث سنوات، من 1963 الى 1966 يعادل ضعفي كمية القنابل التي استعملت خلال الحرب العالمية الثانية.
اية مفارقة ان افتح موقع الدستور، لاراجع ككل صباح مقالتي فيها، وهي هذا الصباح بعنوان: »التعتيم على المقاومة العراقية« وانتقل فورا الى موقع جريدة لوفيغارو الفرنسية لاجد فيها ثلاثة تقارير بمناسبة الذكرى الثلاثين لانتهاء حرب فيتنام. ومنها هذا الموضوع المعنون »اوتوستراد هوشي منه«.
لم انتقل الى صحيفة اخرى، اعرف مثلا ان الصحف اليسارية ستحتفل اكثر بالذكرى، لكن لو فيغارو هي صحيفة اليمين، هذا الذي لم يكن ابدا خلال الحرب في صف هوشي منه.
سيقول الكثيرون، ان المقارنة غير موضوعية و ان ظروف حرب فيتنام مختلفة، وان السياق الدولي الان لم يعد يحظى بتوازن القوتين العظميين، وان ثوار العراق المقاومين لا يحظون بدورهم بامتداد صيني ودعم سوفييتي. كل هذا صحيح، لكنهم رغم ذلك يبرهنون كل صباح على انهم قادرون على زلزلة القوة العظمى المتربعة على عرش العالم. وليس اللقاء الاخير بين رامسفيلد وصدام حسين الا دليلا على ذلك.
ولكن حذار فالثعلب العجوز الذي يعرف العراق منذ الثمانينات، لم يأت الى صدام حسين ليقدم له اعتذارا او ليعرض عليه الرحمة. لا ولا ليعترف بحق العراقيين في السيادة. لقد جاء وفي يده عرض وحيد، هو ذلك الذي قدمته القوى الاستعمارية في العشرينات للعراق: اعطونا عقود النفط، وعقود اقامة قواعد عسكرية حيث نريد، ونترك لكم الحكم والبلاد. يضاف الى هذا العرض القديم الان مطلب ثالث هو مطلب التطبيع مع اسرائيل.
فمن قرأ جيدا ما تسرب عن اللقاء يرى تفاصيل العرض الاميركي واضحة وصريحة : لن ننسحب من البلاد، ولكننا سنخلي المدن الى قواعدنا، ونحتفظ بالسيطرة الاقتصادية. والمطلوب من الرئيس العراقي الاسير ان يتخذ موقفا يطفىء شعلة المقاومة التي بات توهجها اكبر من ان ينفع معه التعتيم الاعلامي، مقابل اشراك »المقربين« في الحكم، ونقله هو وأسرته الى المنفى.
لكأن هؤلاء الاميركيين الذين يتشدقون بالديمقراطية ليل نهار لا يعرفون ابدا ان يتعاملوا مع الشعوب كشعوب
يعود تاريخها الى ما قبل ولادة صدام حسين، والى ما قبل ولادة الولايات المتحدة.
غير انه لا يمكن للرئيس العراقي ان ينسى ذلك . انه ابن التاريخ، وهم ابناء السوق، واطنان القنابل التي لم تمنع الهزيمة قبل ثلاثين سنة في الفيتنام.