«يا هذا، لا يغرنك ما بيني وبين معاوية، اصمت فوالله لأتينك بجيش تحت امرته» بين هذا المنطق الذي صدر عن الامام علي في مواجهة عدو اجنبي وبين منطق ملوك الطوائف، تلك المساحة التي قامت بين صعود الدولة العربية الاسلامية وسقوط الاندلس. فكم نحن بعيدون اليوم عن الاولى، وكم نحن نتخبط في الثانية!!
لا بل اننا في مرحلة متدنية عن الثانية لان تداعي الاندلس قد يكون امرا منسجما مع منطق الامور لاننا كنا هناك، شئنا ام ابينا الاعتراف، قوة استعمار غريبة، ولا يغير في الامر شيئا كون ذلك الاستعمار كان ذا طبيعة مختلفة عن الاستعمارات العثمانية او الغربية التي عرفناها فيما بعد. فنحن قد بنينا هناك ولم نهدم، ونحن قد اثرينا الحضارة الانسانية ولم ندمر منجزاتها، ونحن جعلنا من دولتنا الاندلسية مدخلا لنهضة اوروبا كلها. لكننا رغم كل ذلك لم نكن ابناء الارض التي بنينا عليها وكان لا بد لنا ان نذهب. بل ان التأمل الاعمق في تلك المعادلة يقودنا الى ملاحظة مرة وهي ان عبد الرحمن الداخل لم يذهب الى هناك مختارا، ولم يبن هو واحفاده على ارض الاخرين الا لانه هرب من ذبح الاخوة في بلاده. فهل هو ذاك الذبح الذي ظل كامنا في جوف الامور رغم كل عظمة الحمراء وقرطبة الى ان عاد ففرخ من جديد مع مرحلة الضعف؟
اهي بالمقابل بذور التذابح ورائحة الدماء التي لا تغيب وان جفت هي ما يظل كامنا تحت طبقات المراحل الهادئة، الى ان تعود الاحقاد فتشتعل من جديد؟ ومنطق علي؟ وانا واخي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب؟ وانصر اخاك ظالما او مظلوما؟
اوليست هي الاخرى بحاجة الى التمحيص؟
فموقف علي المبدئي المتجه الى الاجنبي شيء، ونصرة الظالم شيء اخر؟ كما ان اخلاق علي شيء وخسة الذين قلبوا الشعار الى »انا والغريب على اخي وابن عمي، طالما ان الغريب هو القوي«. شيء اخر.
فمن الذي يستعيد علي، من بغداد الى بيروت؟ من الذي يعمل على الا تتحول اللبننة التي ارادوها للعراق، وروجوا لها منذ التسعينات الى عرقنة تراد لسوريا وتجتاح المنطقة؟
من الذي يجعل ذكرى الدماء والتذابح تولد ما ولدته لاوروبا من وحدة وتعاون بعد حروبها الاقليمية والعالمية بدلا مما تولده لنا من تجزئة وتفتت؟