شيئا فشيئا يهدأ الغزل الاميركي بالديمقراطية الفلسطينية. ليس لان الفلسطينيين غير ديمقراطيين، فقد اثبت هؤلاء خلال انتخاباتهم الرئاسية والتشريعية انهم قد يكونون الساحة العربية الوحيدة التي تتم فيها الانتخابات بصيغة ديمقراطية حقيقية. فالتنافس هنا لم يكن على اساس عشائري او طائفي او إثني، والمواقع لم توزع على اساس محاصصات تستند الى هذه المعايير. كان التنافس على اساس حزبي سياسي محض، برزت فيه الاحزاب الفلسطينية التقليدية وتصرفت فيه فصائل منظمة التحرير كأحزاب سياسية واضحة. رأينا اكثر من مرشح للرئاسة وسمعنا برامج ومواقف واضحة من جميع القضايا الوطنية.
واذا كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية مشوبة بمقاطعة جزء كبير من الشعب الفلسطيني لها، وبمنع الجزء الاكبر المتمثل في الدياسبورا، من المشاركة فيها، فان الانتخابات التشريعية قد عكست الواقع الشعبي على الارض في الداخل.
غير ان نتائج هذه الاخيرة جعلت الاميركيين والاسرائيليين يتريثون بشأن الاستمرار في العملية الانتخابية ،لانها ستحمل الى الحكومة ممثلين لا ترغب بهم تل ابيب وواشنطن. وبما انه من غير الممكن التصريح بالسبب الحقيقي للرغبة في عرقلة المشروع السياسي، فان الحل الامثل يكمن في الهجوم على محمود عباس وحكومته، واتهامه بالفشل المسبق وعدم الوفاء بالتعهدات، في نغمة اعتدنا سماعها منذ الرئيس الراحل، والحكومات المتعاقبة.
اكثر من دلالة يحملها هذا التحول واولى هذه الدلالات ان الديمقراطية الحقيقية في العالم العربي انما هي فضيحة الولايات المتحدة الاميركية، لذا تعمد هذه الاخيرة بكل قوتها الى فرض ديمقراطيات وهمية كاذبة تؤمن الغطاء الاعلامي ، القناع التجميلي، لهيمنتها الاستعمارية الهمجية على المنطقة. وتقيم انظمة من الدمى المتحركة التي تنام وتصحو على هم البحث عن رضا السيد ادراكا منها بان رضا شعوبها بعيد بعيد. .. وان ارتفاع اصداء زمر المطبلين انما يشتد لاخفاء هدير الغضب الشعبي.
فالديمقراطية المطلوبة اميركيا هي تلك التي تؤمن للاميركيين القناع المذكور المكون من شبكة الدمى تلك، والا فان مصيرها سيكون مصير الديمقراطية الفنزويلية التي حملت الى الحكم هوغو شافيظ، فوضعت الدولة العظمى، حامية الديمقراطية والحريات، ثقلها لدعم انقلاب يزيحه عن الحكم، ولتذهب ارادة الشعوب الى الجحيم.
غير ان استذكار هذا المثال يقودنا الى دلالة اخرى وهي ان التصاق شافيظ بناسه وشعبه افشل الخطة الاميركية، وحمله فقراء بلاده الى القصر الرئاسي بعد أربع وعشرين ساعة من ابعاده عنه.
انها الترجمة الديمقراطية لمقولة: اذا الشعب يوما اراد…..