تماما كما كانت رابطة الدفاع اليهودية تنعت عملاءها من العراقيين بـ »صناع الحرية« ها هو سيلفان شالوم ينعت المتعاملين مع اسرائيل في لبنان، بالقوى الوطنية الاصيلة.
اما معيار وطنية هؤلاء واصالتهم فتترجم عمليا بعقد معاهدة مع الدولة العبرية والتطبيع معها والتخلي عن المطالبة بمزارع شبعا، بحسب ما تراه الرسالة الاسرائيلية الموجهة للبنان، مع انتهاء الانسحاب السوري.
هل كان في الامر اية مفاجاة؟ بالطبع لا، الا لمن يريد دفن الراس في الرمال. فمنذ تحضيرات الحرب على العراق كان الاعلام الغربي ينشر تفاصيل الصفقة التي تعقد في واشنطن واوروبا بين القوى الاميركية والصهيونية من جهة وبين القوى اللبنانية التي طالما تحالفت معها من جهة اخرى. صفقة مضمونها ببساطة: امنوا لنا الانسحاب السوري من لبنان، نؤمن لكم نزع سلاح حزب الله والاعتراف باسرائيل. لياتي قرار مجلس الامن الدولي ترجمة حرفية لهذه الصفقة المبرمة. ترجمة لم تكن السياسة السورية، وللاسف على قدر كاف من الحنكة للالتفاف عليها، والان ها هي الرسالة: نفذنا فنفذوا، ولن ننتظر كثيرا.
الخطوة المقبلة المتمثلة في الانتخابات البرلمانية، لن تكون الا وسيلة لامرين، نقل القرار السياسي في لبنان الى يد الفئات المتعاونة مع الاميركيين واسرائيل،عبر الانتخابات، ومن ثم اعطاء معاهدة تعقد مع اسرائيل غطاء الشرعية الشعبية عبر تصويت البرلمان الجديد عليها. وليست المدائح المسبقة التي تسبغ على هذه الانتخابات الا تمهيدا لذلك، فلا نكاد نسمع كلمة الانتخابات الا لتقترن بـ »حرة ونزيهة« ولا ندري من الذي سيضمن حريتها ونزاهتها. كما لا ندري متى كانت الانتخابات في لبنان حرة ونزيهة، هناك حيث شراء الاصوات مسالة علنية و»مسعّرة«. حيث ستدار العملية كلها من السفارة الاميركية في بيروت وربما من بعض السفارات الاخرى الحليفة.
بل ان السؤال المهم هنا هو: هل يمكن ان يسمح الاميركيون والاسرائيليون بانتخابات حرة ونزيهة، بعد المظاهرة المليونية التي خرجت في شوارع لبنان تاييدا للمقاومة؟ هل سيترك لهؤلاء اللبنانيون ان يوصلوا ممثليهم الى قبة البرلمان لافشال الخطة المرسومة؟
الجواب الفوري قد يكون الـ »لا«، لكن الخيار الاكثر خبثا وذكاء هو ان تجرى الحسابات بدقة، كي يترك المجال لهؤلاء بالوصول ولكن دون السماح لهم بتشكيل اغلبية، وعندها تمرر القرارات رغما عنهم، وباسم الديمقراطية. مما يفسر الحملات التي ما تزال تشنها بعض وسائل الاعلام الغربية والاسرائيلية على ما تسميه »مراكز القوى التي ستسمح لدمشق باستمرار هيمنتها رغم انتهاء الاحتلال« وليس المقصود بهذا الاستمرار الا بقاء نفوذ سياسي قد يكون له تاثير في نتائج الانتخابات.
من هنا تكون المعركة الانتخابية القادمة معركة حياة او موت، لا بالنسبة للقوى اللبنانية الوطنية والقومية الحقيقية، ولا بالنسبة للخيار المقاوم فحسب، وانما بالنسبة لمستقبل لبنان وسوريا والمنطقة كلها.