احد الامثلة الشعبية السائدة ذلك الذي يقول «ما في شر الا ومنه خير». واذا كان اكبر شر كان من الممكن ان نتعرض له في تاريخنا المعاصر هو هذه الهيمنة الاميركية الصهيونية على منطقتنا، هيمنة تتوزع بين الاحتلال العسكري المباشر والاحتلال السياسي الاقتصادي، فان قبس خير بسيط يمكن سحبه من قلب هذا الليل الطويل .
جاؤونا باسم ديمقراطية كاذبة، باسم حرية موهومة وباسم حقوق انسان لا وجود لها، وكانوا يعتقدون ومعهم حكوماتنا العربية الذليلة ان المسالة ستمر ببساطة وسهولة، وان الناس ستغط في نوم عميق تحت غطاء سميك من الاحتلال المموه، واذا ما نهضت من تحته فلتحمل الورود للمحتل . وكانت المفاجاة، ان المقاومة اندلعت باسرع مما توقعه اشد المتفائلين، وانها تطورت بحيث احرجت الجميع . ردة فعل كان من المفترض ان يتوقعها الجميع، فيما لو قرؤوا التاريخ وفيما لو نظروا الى الحالة الفلسطينية منذ قرن.
حتى في لبنان، صرخوا بالديمقراطية فخرج نصف سكان البلد الى الشارع يصرخون بانهم ضد ما يراد فرضه عليهم.
وعندما صرخ المصريون كفاية لم يكن جميع المساهمين في الصرخة عملاء للاميركيين.
المقصود ان الشعوب العربية قد تكون ذكية بحيث تستغل الاكذوبة الاميركية، لتعبر منها الى شكل من اشكال التعبير عن الذات، شكل لا يؤدي دائما وبالضرورة الى ما يريده الاميركيون .هذا اذا كان هناك وعي شعبي يعرف ما يريد، بل ان بعض الاستغلالات التي قد تنطلق من حسابات فردية، طائفية، فئوية او اقليمية، قد تؤدي عن غير قصد الى احياء حالات دستورية صحيحة او الى تكريس حقوق شعبية نقابية او برلمانية تعتبر صورة على طريق تبلور سياق ديمقراطي.
بهذه المعايير يكون اهم ما ورد في بيان النواب الاردنيين حول الوزارة الجديدة، وبصرف النظر عن اي تقييم لدوافعه واحقيته، هو ذلك المتعلق بنقطتين اثنتين: احياء الدستور، وتكريس مبدأ التشاور مع النواب قبل تشكيل الحكومة، لان من شأن هذا التكريس ان يعيد الاعتبار الى سيادة السلطة التشريعية على التنفيذية، وبالتالي سلطة الناخب على الاثنتين.