هل كل ما يحصل الان في المشهد السياسي العراقي مجرد استعراض اعلامي، وصفه مشعان الجبوري بانه »شو اعلامي«؟
هل هو، بعبارة اخرى، كما قال الدكتور صباح المختار رئيس اتحاد الحقوقيين العرب في اوروبا، خط مواز للحياة الحقيقية العراقية لا علاقة له بواقع الحياة العراقية؟
يكفيك ان تصغي الى برنامج المشهد العراقي على شاشة الجزيرة لتجد الجواب الشافي. لترى كيف يتشظى العراق الواحد الى عبارات تتكرر عشرات المرات في كل فقرة: العرب السنة…. العرب السنة، الكرد..الكرد.. الشيعة… المسيحيين… التركمان….الصابئة، اليزيدية..وكان القرن الواحد والعشرين لم يهتد بعد الى توصيفات للقوى السياسية في بلد ما الا من خلال التوصيفات الاثنية والطائفية. ولا يحضرك الا السؤال: اين كان كل هؤلاء في التوصيف العراقي سابقا؟ ولا نقول فقط في عهد صدام حسين او الحكومات العراقية القومية التي سبقته، بل وحتى في عهد الملكية؟ بل واين كانت معظم هذه الشخصيات الهشة، بل والكاريكاتورية التي نراها الان من على شاشات الفضائيات؟ واذ نسال ذلك فانما لانقصد مقارنتها بأولئك المسؤولين الاسرى الان في مطار بغداد، بل وبكل شخصيات العراق العظيم الذي طالما قدم للعالم العربي اهم رجالاته، وما يزال غنيا بالكبار الكبار؟
اسئلة ليست الاجابات عليها بصعبة او مستعصية، فاذا كان التشظي الطائفي والاثني مطلبا اساسيا اميركيا واسرائيليا، فان رسم خريطة هذا التشظي بحد ذاته يعكس اكثر من مؤشر: فلماذا مثلا يتم التركيز على عبارة العرب السنة وكأنه الطرق بمطرقة حديدية على مسمار ما، في حين لا يقال مثلا »العرب الشيعة«؟ لماذا لايقال مثلا الاكراد السنة او الاكراد الشيعة؟ اوليس الجواب انه من المطلوب عدم التذكير حاليا بان هناك شيعة ايرانيين، من غير العرب، وعدم التذكير ايضا بان الاكراد ليسوا طائفة واحدة؟
من البديهي اننا لا نسأل ذلك وفي الذهن مطلب تجزئة المجزأ اكثر فاكثر، فمطرقة التجزئة الحالية مؤامرة وجريمة غير مقبولتين، لكن الاسئلة مدخل لا بد منه للتحليل.
والتحليل لايقود هنا الا الى محور هو المسكوت عنه، الذي يكون جوهر الخطاب والمقصد الرئيسي فيه في الكثير من الاحيان. والمسكوت عنه في هذا الخطاب هو راس المقاومة العراقية. اذ ان اقتران هذه المقاومة بالسنة العرب من العراقيين، انما يعكس واقعا وبندا على المخطط في آن. ففي الواقع تحركت المقاومة في اوساط السنة العرب منذ بداية الاحتلال. وفي المخطط الاميركي اريد لها ان تنحصر في دائرة هؤلاء فقط كي لا تمتد نيرانها الى سائر اطياف المجتمع العراقي. لذلك سحق تحرك التيار الصدري بذلك الشكل الكاسح الذي نذكر، ومن ثم تم التركيز على الشيعة كقوة مشاركة في العملية السياسية التي ينظمها الاحتلال. وهنا يصبح من الافضل التركيز عليها كقوة واحدة موحدة في الموقف المذكور. وبالمقابل، ولضمان تفوقها يقسم السنة الى قسمين: اكراد وعرب، ومن ثم يقسم العرب الى مشاركين ومقاطعين. بذا تتوحد الكتل المؤيدة للاحتلال كي تبدو اقوى، وتفتت الكتلة الممثلة للمقاومة فيلحق الشيعة منها بالكتلة الشيعية السيستانية، ويعرى السنة منها من كل من يشكل لهم بعدا وقوة. اوليس ذلك هو فن محاصرة النيران لمنع امتدادها؟