الهجرة الجديدة !

صحيفة الدستور، 15-03-2005

منذ سنتين والدعاية الصهيونية تتركز على اتهام فرنسا باللاسامية . عشرات الحوادث المفتعلة وقليل من الحوادث الحقيقية، وحملات اعلامية مرعبة لم تتوقف يوما عن ضخ الصورة المهولة : فرنسا بلاد لاسامية .

المحللون السياسيون كانوا يرون في ذلك عملية ضغط لتحويل سياسة فرنسا الشيراكية عن خطها السياسي المتوازن في التعامل مع القضايا العربية، واسرائيل تعتبر التوازن انحيازا للعرب . ومن جهة اخرى كانوا يرون فيه ايضا عملية ارهاب فكري ونفسي تمارس على الفرنسيين كي لا يتجرأ احدهم على الاعتراض على هيمنة اللوبي اليهودي على الدوائر السياسية والاقتصادية والثقافية والاعلامية الفرنسية .

غير ان الهدف الثالث من هذه الحملة ظل الى حد ما في دائرة الظل الى ان كشف عنه بشكل مباشر وصريح ارييل شارون في العام الماضي : الا وهو دعوة يهود فرنسا الى الهجرة الى اسرائيل .

دعوة شارون هذه لم تأت من فراغ، ففي العام 1983 وفي حديث الى صحيفة معاريف تحدث شارون عن فضيلة اجتياح لبنان قائلا انها جعلت العالم يكره يهوده مما سيؤدي الى دفعهم الى الهجرة الى اسرائيل، وقال الرجل الذي كان يومها معتكفا في مزرعته اثر ادانته بصبرا وشاتيلا : انا مستعد لاجل هذه الهجرة ان اجعل الارض تشتعل تحت اقدام يهود الدياسبورا، حتى ولو اقتضى الامر نسف بعض الكنس اليهودية في اوروبا لجعلهم يهرولون راكضين الينا.

من 1983 الى 2004 لم يغير الرجل استراتيجيته، وفي الاسبوع الفائت، وبالتحديد يوم الاثنين الماضي اعلن رسميا عن تشكيل منظمة اطلق عليها اسم، مهمتها العمل على تهجير يهود فرنسا الى اسرائيل . مسؤولو الطائفة والمنظمات اليهودية حضروا الاعلان عن تشكيل الجمعية، والصحافة الاسرائيلية احتفت بالحدث.

الملفت في ما اعلن عن هذه الخطة انها ستمارس عملها على اساس انتقائي، اذ ستختار من بين الطلبات التي تتلقاها النخب المؤهلة، او من ستخضعهم لدورات اعداد خاصة على رأس ما تتضمنه اتقان اللغة العبرية ومن ثم توزيعهم على تخصصات مطلوبة . الانتقائية والأعداد، تعيدنا الى الاسلوب الذي كان يتم فيه تنظيم هجرة اليهود من المانيا النازية في نهاية الثلاثينات قبل ان يقام الجسر البحري بين هامبورغ ويافا . اعداد اليهود الالمان تركز بشكل اساسي على التدرب على الاعمال الزراعية والعسكرية، فعلى ماذا سيتركز تدريب اليهود الفرنسيين الان ؟

الحكومة الفرنسية اعتبرت دعوة شارون، في العام الماضي، اهانة لبلادها. فماذا ستفعل ازاء مأسسة هذه الدعوة الان؟ ام ان حملة الاستفتاء على الدستور الاوروبي الجارية حاليا، والتي يعتبرها شيراك حاسمة بشأن سياسته مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية سيضطرانه الى الصمت ؟ وهل اختار اليهود موعد اعلانهم صدفة؟ لكن لا تستطيع الجهات العربية، والفلسطينية تحديدا اثارة هذه القضية بشكل مكثف في وسائل الاعلام بحيث تضعها في دائرة الضوء، وفي الظروف ذاتها؟

 

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون