ما الذي تفاوض عليه المعارضة اللبنانية في جولتها الدولية؟
المعلن هو دائما الجزء الظاهر والقليل من جبل الثلج، اما المخفي فان لنا ان نبحث عنه في خفايا النوايا. وقد لايكون ذلك من الصعب بالنسبة لاي متابع، فعندما نرى امين الجميل يخرج علينا بهدوء مصطنع مدروس ليدافع عن اتفاق 17 ايار ويقول انه افضل ما توصل اليه العرب مع اسرائيل، ثم يردف ذلك بالقول ان مشكلة لبنان مع اسرائيل لم تعد قائمة اذ لم يعد لنا – يقول الرئيس السابق – اراض محتلة مع اسرائيل . مما يعني استنتاجا انه طالما لم تعد لنا اراض محتلة، اذن فلم يعد هناك موضوع للتفاوض، وبالتالي لم يعد هناك مجال لوحدة المسارين السوري واللبناني في المفاوضات المقبلة، مما يحقق هدفا اساسيا من اهداف المرحلة اسرائيليا واميركيا، الا وهو ادخال سوريا الى المفاوضات وقد انتزعت من يدها كل الاوراق التي يمكن ان تلعبها على تلك الطاولة .
الورقة الاخرى التي يراد تحويلها من ورقة ضغط سوري الى ورقة ضغط على سوريا، هي الورقة الدرزية . فكون الجولان ذا اغلبية درزية، وكون عودته الى سوريا ستشكل احدى حتميات نتائج المفاوضات فان دفع وليد جنبلاط لقيادة المعارضة اللبنانية بتطرف زايد به على جميع القوى المتأمركة والمتأسرلة، من موارنة وسواهم، هو دفع الغاية منه تحريك هذه الورقة الدرزية ضد سورية بشكل سافر. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: ما الثمن الذي وعد به جنبلاط مقابل ذلك ؟ اهو ثمن يقتصر على زعامة المعارضة، وذاك ما ليس قليلا ؟ ام ان هناك ثمنا اخر ؟
في ظل التركيبة اللبنانية، لا يمكن لوليد جنبلاط ان يحلم باكثر من وزارة، لان الرئاسة الاولى هي من حظ الموارنة والثانية للشيعة والثالثة للسنة، اذن هل يكفي طموح وليد جنبلاط منصب وزير في حكومة لبنان الصغير حتى ولو وصفوه بالكبير ؟
وعندما يدور الحديث في المنطقة عن هلال شيعي، وعن مثلث سني، وعن دولة كردية، وعن دولة مسيحية، فلماذا لا يحلم جنبلاط بدولة درزية، او على الاقل بهلال درزي يمتد من اسرائيل الى لبنان مرورا بالاردن وسوريا ؟
لكن المهم هنا ان اسرائيل التي قد يناسبها ان تستغل تحريكا درزيا ضد سوريا لفترة مرحلية، لن تسمح اطلاقا باكتمال المشروع الحلم ؟
من جهة ثانية، لن يكون الدروز باي شكل ادوات يحركها وليد جنبلاط ضد امتهم، وهم اهل الثورة السورية الاولى، واحفاد سلطان باشا الاطرش بكل ما يعنيه ذلك من ارث وطني قومي مرتبط اساسا بسوريدروز كلهم في سلة وليد جنبلاط.
وحتى في لبنان، فان صراع اليزبكية والجنبلاطية العائد الى قرون طويلة لا يجعل وعليه يقول العارفون بان من اقوى اسباب غضب جنبلاط على سوريا هو دعمها لطلال ارسلان.
اذن سيكون جنبلاط اشبه بالهر الذي يلحس المبرد، وسيكون الرابح الوحيد هو التيار الانعزالي التقليدي الذي يعبر عنه امين الجميل الذي يبني منطقه على انه لم يعد للبنان اراض محتلة، في منطق تبلغ الوقاحة حدا مذهلا، اذ لا يتذكر الرئيس من هم الذين حرروا لبنان من الاحتلال، ومن هم الذين كانوايقاتلون في صفوف هذا الاحتلال ضد اهلهم . وهذه الشريحة الاخيرة ان هي الا شريحة من الذين كانوا يتظاهرون في ساحة الشهداء.