مدرسة !

صحيفة الدستور، 10-03-2005

من الخيمة، تنبثق مقاومة اخرى، بل وجه اخر للمقاومة.

لم اشعر مرة بالقشعريرة تجتاحني، تحول جلدي الى جلد دجاجة، كما يقول هؤلاء الفرنسيون، كما شعرت بالامس وانا ارى على شاشة الجزيرة مشهد المدرسة التي اقامها لاجئو الفلوجة في خيمة بسيطة كي لا تضيع على ابنائهم الصغار السنة الدراسية.

بعد كامب ديفيد قال بيغن : »حتى ولو حصل السلام السياسي بين العرب واسرائيل، فان الصراع بين الحضارتين العربية واليهودية سيظل قائما الى ان تنتصر احداهما على الاخرى«

الان لا تشكل الحرب التي تشنها الولايات المتحدة الاميركية على المنطقة، في عمقها البعيد، الا حربا على الحضارة. ذاك ان احفاد بيغن وتلاميذه هم الذين يخططون لها ويديرونها. يعزز ذلك التناقض الكبير بين ثقافة يريد الاميركيون ارساءها، وثقافة الحضارة العربية.

ثمة معجب منبهر يقول : وهل يضيرنا ان نتعلم ما لدى الاميركيين ؟ هل حالنا افضل من حالهم ؟

لاشك ان لا. لكن حالنا لا يمكن ان يرتقي بمجرد التبعية الاميركية الببغائية. بل ان ارتقاء حضارة ان هو الا تطور من داخلها، وبعناصر تكونها، التي لا يضيرها ان تستفيد من تجارب الاخرين وتتفاعل معها.

لكن هل ذلك هو ما يريده لنا الاميركيون ؟

اهو الذي الذي جعل اول اهداف التدمير في العراق، المتحف الوطني والمكتبة االوطنية، ومكتبات الجامعات ؟

اهو الذي قاد المحتلين ورعاعهم الى تدمير سجلات النفوس ؟

اهو الذي نظم القائمة الطويلة من العلماء العراقيين لاغتيالهم واحدا واحدا ؟

وعندما يكون الحلم الذي قاد الحرب ذا ثلاثة عناوين : النفط، السوق والتهويد.فان كل عنوان من هذه يتطلب تدمير الهوية وتدمير الثقافة.

مطلوب حراس على ابار نفط لصالح الشركات المتعددة الجنسيات، حراس بلا مشروع ولا كرامة ولا رؤية وطنية.

مطلوب سوق استهلاكي يتحول اهله الى عمال ومشترين وذاك ما يتطلب ثقافة لا حلم لها الا الاستهلاك وقيمه.

ومطلوب سهل ثقافي ممهد ومفرغ ومحروث لتقبل التهويد.

فلماذا اذن لا تدمر كل ثقافة اخرى ؟ لماذا لا يعمل على تحويل الناس، اما الى جهلة واما الى متعلمين اميين تكنوقراط او عملاء ؟

لكن خيمة الفلوجة بمدرساتها التي تصيح احداهن : نحن نفعل جهدنا ولكن تنقصنا كل ادوات التدريس، اين الحكومة ؟ اين محافظة الانبار ؟ المدرسة الخيمة هذه تمثل ساحة مقاومة ولا ابلغ، قنبلة موقوتة للمستقبل تنسف كل محاولات الاستئصال.

قبل ايام كان هناك نقاش حاد في فيينا حول التجربة العراقية، وكان هناك استاذ جامعي تونسي يقول : كيف تريدون مني التنكر لتجربة وانا لم اتعلم العربية الا في كتاب مسجل على صفحته الاولى : تمت طباعته في بغداد، هدية من الشعب العراقي الى الشعب التونسي.

من يهدي مدرسة الفلوجة الان في خيمتها، ما تصيح مطالبة به من مواد اولية للتدريس ؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون