عادي ان تدين نائب صيدا بهية الحريري الاعتداءات على العمال السوريين في المدينة، وطبيعي ان تعتبر السيدة التي رافقت اخاها في العمل في صفوف القوميين العرب، ان هذا العمل اعتداء على عروبة لبنان وتنكر لها. لكن ما يتجاوز العادي ان تعتبر الشخصية الاكثر تسيسا في عائلة الحريري، والاقرب الى الرئيس الشهيد ان هذه الاعتداءات انما تصب في نفس السياق الذي كان وراء اغتيال الرئيس .
بهية الحريري، ومعها الكثيرون من الذين لا تعني معارضتهم للحكومة وقوفهم في صف الانعزاليين والعملاء، لم يتأخروا عن اكتشاف اللعبة القذرة التي تهدف الى استغلال دم الحريري لتمرير المخطط القديم الجديد المتآمر على لبنان العربي، لبنان القومي، لبنان الكرامة، لبنان المقاومة لصالح لبنان الانعزالي الطائفي، المرتبط بالغرب واسرائيل .
الذي يعرف التاريخ الحديث ويتمكن من ان ينظر قليلا الى ما وراء الغبار، يرى بوضوح ان شيئا من الطروحات العفنة لم يتغير، ولكنها قد البست اقنعة جديدة .فالعداء لسوريا ليس جديدا – حتى ولو كان سوء ادارة الوجود السوري في لبنان قد اعطى هذا العداء زخما وحجة. ونغمة تدويل لبنان ليست جديدة ومثلها تحييده عن الصراع العربي الاسرائيلي. والحقد الدفين على المقاومة ليس جديدا – حتى ولو كانت ظروف التحرير قد اجبرت البعض على كتم الغيظ الى ان تمر العاصفة . والارتباط باميركا، فرنسا واسرائيل، ليس جديدا ومن قبل الاطراف نفسها .
الفارق الوحيد ان هذه النغمات قد تعلمت ان تكون اكثر خبثا، وان الدعم الدولي لها هو الان اشبه بما شهدناه عام 1991 حول الكويت. كان اللبنانيون يقولون خلال الحرب اللبنانية : لو كان لدينا نفط لاهتم بنا العالم. وها هو العالم يهتم بهم اليوم لانهم – وبما يمثلونه لسوريا- المدخل لحماية الهيمنة على نفط العراق من جهة، ولانهم المدخل لاخر لحماية الهيمنة الاسرائيلية المتكرسة بعد احتلال العراق، والتي يتوقع لها ان تخرج قريبا الى العلن عبر اتفاقات جديدة وعمليات تطبيع جديدة، لن تكون الساحة العراقية المحتلة اولها ولا اخرها.
بذا لا يمكن ان تكون هيمنة من يسمون انفسهم بالمعارضة في لبنان الا ارضية تنفيذ المخطط الاميركي الاسرائيلي الذي سيعزز على الساحة اللبنانية الداخلية سيطرة القوى الانعزالية التي اضطرت الى الصمت مع الطائف ومع الوجود السوري في لبنان، وذلك ما لا يمكن ان يخفى على الزعامات السنية والشيعية، كما على القوى الوطنية والقومية سواء كانت مع الحكومة ام ضدها .ومن بين زعماء هذه القوى بهية الحريري التي دل خطابها البليغ في مجلس النواب على ان عمق الجرح لم يعم منها العقل السديد.