لا يمكن ان تجري انتخابات حرة في ظل الاحتلال. هذا الشعار لم نستعره من المعارضين للانتخابات العراقية، ولم يرفعه الفلسطينيون في الاراضي المحتلة. بل انه ورد على لسان الرئيس الاميركي جورج بوش تعليقا على الوضع في لبنان. هذا في الوقت الذي كان يتبارى فيه المسؤولون الاسرائيليون في الحديث عن الانسحاب السوري من لبنان من شارون الى موفاز الى نتنياهو الى شيمون بيريز، حتى ايهودا باراك الذي مضى وقت طويل دون ان نسمع صوته، خرج عن صمته امس ليتحدث عن الانسحاب، رابطا اياه بنظريته القديمة التي تقول ان الخطر على اسرائيل لا يكمن الا في موقعين: العراق وايران. هذا ما اعادنا اليه باراك عندما قال ان الانسحاب يسمح بالخلاص من سلاح المقاومة وبالتالي يسحب ورقة اساسية من اليد الايرانية. لكن ايران نفسها قد لا تعتبر معركة لبنان معركتها وقد لا تدعم سوريا الا في حدود معينة.
الدلالة التي تحملها هذه التصريحات، انما تتجلى في ان المسؤولين المعادين، سواء في واشنطن ام في اسرائيل، لم يعودوا يعبؤون كثيرا في ان يكون كلامهم مقنعا، او منطقيا، لم يعودوا يأخذون في الاعتبار الحد الادنى من ذكاء المتلقي او من قدرته على المقارنة. نهاية الاحتقار، طالما ان مسؤولا عربيا واحدا لن يجرؤ على ان يقول لجورج بوش: اذن فالانتخابات التي اجريتموها في العراق باطلة…. اذن عليكم الانسحاب من ارض الرافدين … كما ان المطالبات القليلة بالانسحاب الاسرائيلي قد ارتدت خمار الخجل الذليل.
لكن ما لا يحسب حسابه المسؤولون في الولايات المتحدة، في اسرائيل، وحتى في العالم العربي، هو تنامي الكراهية، الكبت والحقد الذي يولده هذا الاستخفاف بعقول الناس وكراماتهم، بحقوقهم وتطلعاتهم. حالة ان هي الا بمثابة القنبلة الموقوتة التي تتضخم يوما اثر اخر، ويزداد خطرها يوما اثر اخر، واذا كانت الظروف السياسية والسيكولوجية الحالية قادرة على خنقها، على منعها من الانفجار، فان هذا الخطر يظل كامنا، ولا يزيده الخنق الا خطورة، ولا بد له من ان ينفجر يوما ليدمر كل ما حوله عاجلا ام اجلا.
