هل سيؤدي الانسحاب السوري من لبنان الى ظهور افتراق ما في الموقفين الامريكي والفرنسي من لبنان وسوريا؟
هل لهذا السؤال من اهمية تبرر طرحه قبل طرح الاسئلة المتعلقة بالوضع الداخلي اللبناني؟
الجواب على السؤال الثاني يتقدم على السؤال الاول، لاننا في مرحلة تتقدم فيها الارادات الدولية على الارادات المحلية في تقرير مصير دول منطقتنا. فلو كان الامر متروكا لمعادلات الوضع الداخلي لما كان هناك ما يقلق الوطنيين الحريصين على الجوانب الاساسية الثلاثة التي ستعقب التطورات الحالية، الا وهي موضوع حماية المقاومة، موضوع العلاقة مع اسرائيل ومن ضمنها موضوع التوطين، وموضوع الانتخابات التي ستقرر مصير الحكم في البلاد. لكن معادلات اخرى تنسج على الساحات الاقليمية والدولية هي التي تتحكم بأوضاعنا كلها لا بوضع لبنان وسوريا وحدهما.
السياستان الامريكية والاوروبية اللتان افترقتا بحدة في الموضوع العراقي، تلاقتا تماما في موضوع القرار 1559 حيث تحولت فرنسا من الصوت النقيض للصوت الامريكي في مجلس الأمن الى الصوت الذي ينطق بلسان واشنطن، بل ويسبقها في المؤسسة الدولية . منذها، منذ القرار لم تلين باريس التي تقود القافلة الاوروبية في المنطقة موقفها ازاء دمشق ولا ازاء الحكومة اللبنانية . لكن الرئيس السوري ضرب امس ضربته البراغماتية الموفقة، مثبتا انه ابن ابيه، اذ أحنى رأسه الى ان تمر العاصفة.
لتأتي ردات الفعل على الخطاب التاريخي معبرة عن تنفس العرب الصعداء، فقد بعد السكين ولو مؤقتا عن عنق الشام. لكن ردة الفعل الامريكية لم تأت موحية بذلك، حيث سارعت كونداليزا رايس الى التأكيد على ان القرار السوري غير كاف، وانها تريد انسحابا فوريا وكاملا. رايس قدمت الدليل على عبارة بشار الأسد: »كلما اعطينا طلبوا اكثر« وبعد دقائق قليلة على نطقه بها. لكن التعليق الفرنسي، وان بدا في مجمله محافظا على تشدده ازاء عاصمة الامويين، حمل في طياته نوعا من المرونة، حيث وردت فيه كلمة الجدولة، وهي تعني الموافقة على مهلة زمنية ما، لم تتحدد .
فرنسا ارادت بانحيازها الى الموقف الامريكي الحفاظ على اخر مواقع نفوذها في المنطقة العربية، وواشنطن قبلت الشراكة هنا كي لا تضطر الى الشراكة في العراق . وعليه نضجت المصالحة التي رأيناها بين العاصمتين اللتين تملكان صوتي فيتو في مجلس الأمن . اما الان وقد استجابت سوريا للضغوط، فهل سيكون من مصلحة باريس ان تستولد ضغوطا جديدة؟
وغدا عندما ستحصل الانتخابات الحرة – كما يقولون – ما الذي سيكون عليه الموقف اذا ما جاءت هذه الحرية للمجلس النيابي بنتيجة لا تقع في صالح المعارضة، خاصة اذا ما خرجت كتلة الحريري من صف المعارضة ولفت حولها تيارا وسطا ثالثا اخذ في التبلور؟
هل ستتلقى واشنطن الديمقراطية اللبنانية اللبنانية عندها كما تلقت الديمقراطية الفنزويلية مع هوغو شافيظ، ام ستضطر الى القبول بخيارها؟
وهل لنا ان نعود الى الوراء، الى اخر مجلس نيابي منتخب قبل الحرب الاهلية، ان نقرأ خارطته، لنرى ان الكتائب لم تكن تملك فيه الا اثني عشر مقعدا من اصل تسعة وتسعين. يومه كانت الكتائب تمثل كل الطيف الموزع الان على القوات اللبنانية وعون والكتائب؟
صحيح ان الامور قد تغيرت، لكنها لم تتغير كثيرا لصالح التيار الانعزالي المرتبط باسرائيل، حتى ولو ان مكبوتات الفترة الماضية تظهر المشهد الان وكأنه كذلك . مشهد سنتناول تفصيله في الغد.