علاقات المزارع

صحيفة الدستور، 08-02-2005

وسائل الاعلام تندرت في الاسبوع الفائت حول دعوات متبادلة الى المزارع : شارون استضاف عمر سليمان في مزرعته ودعا اليها خلال القمة الاخيرة الرئيس مبارك نفسه. احمد قريع يدعو شارون الى مزرعته. هذا الاخير يدعو محمود عباس وعباس يبادله بالدعوة الى رام الله.

اهو التشبه بالكرام، فضيلة يسعى اليها السياسيون الذين يريدون ان يشبهوا الرئيس الاميركي او يريدون له ان يشبههم ؟ ولا بأس من قول ذلك في زمن لم تعد الكلمات تعني ذاتها. لم تعد »الكرام تعني كرام الاخلاق ولا حتى كرام اليد«، ولم تعد الفضيلة الا ام الرذائل. زمن المفاهيم المقلوبة التي لم تتغير انقلاباتها منذ عبد الرحمن الكواكبي وطبائع الاستبداد.

كما لم تتغير مصائر الذين يتصدون لفضح انقلابها وتشوهها وتغييرها، فمنذ سرى في جسد الكواكبي والسم ما يزال يتسلل الى جسد الامة كلها وافرادها، قادتها : من قادة الفكر الى قادة الثورات.

سم ربما تكون المزارع قد باتت احد اهم مصانع تركيبه. فهناك، وفي هدأة الانعزال عن هذه الجماهير التي لا تفهم عن هؤلاء المتمردين، الذين قد يحولهم السم الخيميائي الى ارهابيين، وعن هؤلاء المثقفين الذين يصرون على السير عكس السير لانهم يصرون على ان خطهم هو الطريق، هناك…. يتقارب الذين من المفترض فيهم ان يتباعدوا، ودجن الذين من المفترض فيهم ان يستعصوا، ويميع كل ما يتوقع منه ان يتصلب، وفيما يخلع الاعداء الاصدقاء سترهم ليستلقوا امام المدفأة – كما وصف ابو علاء لقاء اوسلو – يقفل باب المطبخ جيدا على الطباخ الماهر الذي يحضر مائدة العشاء السري، كي لاتتسرب الرائحة قبل جهوز الطاولة.

لقاءات المزارع، علاقات المزارع، لم تعد قصرا على الكبار من الذين يحتاجون الى الابتعاد عن الناس وعن ضغطهم، ليقرروا عنهم مصير حياتهم. بل انها تجاوزتهم الى الاصغر فالاصغر.

اصبحت موضة المرحلة لجميع الدائرين في الفلك الاميركي او الدائرين في فلكهم. فاذا كانت لشارون قرية خارج تل ابيب ولابو علاء مثلها في ابو ديس، فان لكل قدس ابو ديس. واذا كان لشارون كبير يتشبه به هناك فيما وراء الاطلسي فان لكل من يستطيع تملك مزرعة، ويحلم بدور سياسي وسيط، كبيره الذي يتشبه به، لخدمته، في حلقات سلسلة تنتهي كلها في النهاية الى رأس الهرم.

اما حجم الادوار، ومدى قذارة وسائلها او غاياتها فذاك امر اخر ينبع من طبيعة المهنة.

كان ماوتسي تونغ يبني ثورته على نظرية المناضل الذائب في صميم شعبه كما السمك في الماء. واحتج اليهود على الذين منحوا القائد الصيني الريادة في مجال هذه النظرية وتطبيقها بقولهم انها نظرية سبقه اليها قادة المنظمات الصهيونية قبل الدولة.

في اخر تطبيق، جاء ت المقاومة اللبنانية وخاصة حزب الله، لتعيد السبب الاساسي في نجاحها الى ذوبان مقاتليها في صميم الشعب.

فماذا عن سياسات تستبدل صميم الشعب، بصميم المزارع المعزولة ؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون