مرة اراد لها رابين ان تغرق في البحر، وعندما اعادوها بعد اوسلو وصفتها الصحافة الغربية بانها الهدية المسمومة. رغم ذلك فانهم يشاغلوننا منذ سنة ونصف بانهم قد ينسحبون منها، ليجعل شارون من ذلك ما يمسح به ذنوبه امام الرأي العام الدولي ويحوله بقدرة قادر الى »رجل سلام «.
رغم ذلك يتجمع الاسرائيليون في الشوارع، يتظاهرون ويقررون البقاء اربعا وعشرين ساعة في العراء احتجاجا على الانسحاب من غزة.
اهم فعلا ضد هذا الانسحاب الى هذا الحد؟ واذا كان بعضهم على درجة من التشدد او له مصالح مرتبطة بالبقاء في غزة، فان من ينظم التظاهر ويمنحه التغطية الاعلامية الواسعة التي نراها نحن هنا في الغرب، ليس هذا البعض من المتشددين، بل هو تلك الماكينة السياسية الاعلامية التي تتقن ببراعة استغلال وتوظيف كل ذرة من حركة او من حدث.
يقول استاذ الاعلام الكبير باتريك شامباني ان هناك تظاهرات، وهناك تظاهرات اعلامية ولا قيمة للاولى ازاء الثانية، لان هذه الاخيرة هي التي تصنع مواقف الرأي العام.
بذا تأتي تظاهرات المستوطنين ضد الانسحاب وضد اية خطوة يتخذها شارون الان لتخدم استراتيجيته اكثر بكثير مما تفعل مظاهرات التأييد، او الشوارع الساكنة. تأتي لتقول للعالم: انظروا كم يغامر هذا الرجل لاجل السلام، كم تضحي اسرائيل، وبالتالي كم عليكم ان تكافئوها على ذلك بكل انواع التعويض المالي والمعنوي والسياسي.
فهذه سياسة لاتترك مجالا للمجانية وتعرف كيف تنظم الرأي العام والحكومة، المعارضة واهل الحكم في سيمفونية واحدة لمصلحة المشروع العام. هي سياسة تعرف ان الخدمات التي يمكن ان تقدمها المعارضة لمصلحة الدولة، خاصة ازاء اية ضغوط خارجية هي خدمات لا يمكن ان يقدمها المؤيدون والمطبلون والخانعون.
معرفة تطبقها اسرائيل امام عيوننا منذ نصف قرن، دون ان يتعلم منها النظام العربي الرسمي شيئا، بل وعلى العكس من ذلك تزداد حكوماته تخلفا وتشددا في قمع اي صوت معارض وفي جعل جميع التنازلات والخدمات تمر بمجانية مطلقة، اللهم الا ثمن واحد: ضمان بقاء الحاكم في الحكم. اما المحكومون فلهم ايضا ضمان بقائهم حيث هم…لا بل ضمان استمرار التدحرج الى الوراء. فيما لا تعفيهم اية اعذار من مسؤوليته لانه ليس لمن لا يمارس حقوقه ان يبكي عليها.
